فى حضرة الملوك أن يراعوا أدب الحديث، فلا يغرقوا فى الحادث حتى يجانب العقل، ولا يسهبوا فى السمر حتى يجاوز المجلس، ولا يسفوا فى القول حتى يصادم الخلق. أما القصاص المصرى فقد تهيأت له الأسباب اللازمة لخلق القصة: كان سمير الأوزاع والعامة فلم يتقيد معهم بقوانين الخلق ولا بقضايا المنطق ولا بوقائع التاريخ، فهو يصطنع اللهجة الصريحة، ويستعمل الألفاظ القبيحة، ويبالغ فى الخلط والتلفيق، قصداً إلى الإغراب والتشويق، ويعتمد غالبا على المفاجآت القوية، ويستطرد كثيراً إلى الحوادث العرضية، ثم يصادم الوقائع ويشوه الحقائق لأنه يجهلها، والجمهور الذى يسمعه لا يعلمها، فاستطاع بذلك أن يزور أغلب الحوادث، ويجمع شتى الأحاديث، ويترك لنا هذه المجموعة القصصية التى كانت ولا تزال للخاصة مبعث لذة، وللعامة مصدر ثقافة.
كان القصَّاص المصرى يعتمد على ما يصدر عن بغداد من الأقاصيص الموضوعة والمنقولة، والروايات القديمة الصحيحة والمدخولة، ثم يضيف إلى ذلك ما تنوقل فى مصر وما تجمع من الأخبار من التجار والرحالين والبحارين، فقد كان هؤلاء بعد عودتهم من البلدان النازحة يدونون ما رأوا من الأعاجيب، كما فعل اليعقوبى وابن فضلان وبزرُك بن شهريار مثلا، ثم يحدثون بها الناس، كأن يقولوا لهم مثل ما حكاه ابن خُرْداذْبَة من أن فى بعض الأمم رجالا عراض الوجوه، سود الجلود، لا تزيد قامة أطولهم على أربعة أشبار، وفى جلودهم نقط حمر وصفر وبيض، وأن فيهم من له أجنحة يطير بها، ومن رأسه كرأس الكلب، وجسمه كجسم الثور أو الأسد، وما جاء فى كتاب "المستطرف" من أن فى "البلغار" من طوله أكثر من ثلاثين ذراعاً، يأخذ الفارس تحت إبطه كما تأخذ الطفل الصغير، ويكسر ساقه بيده كما تقطع حزمة البقل. وما رأى الرحالون بالطبع هذه الأشياء، وإنما رأوا صورها على الآثار التى خلفها البابليون والفراعنة والرومان والفرس فظنوها حقيقة.