للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فما جمعه ووضعه الجهشيارى وابن دلان وابن العطار فى القرن الرابع من الأقاصيص فى الحب الطروب والترف المسرف، وما وضعه من قبل هؤلاء سهل بن هارون وعلى بن داود وأبان ابن عبد الحميد من الأسمار فى الأمثال الرمزية والحكمة العالية والسياسة الرشيدة، وما صنعه من قبل هؤلاء عيسى بن دأب وهشام الكلبى والهيثم ابن عدى من الأخبار فى الهوى العذرى والسخاء العربى فى الإسلام والجاهلية، كل أولئك موسوم بسمة العقلية العربية الخالصة من حذف الفضول وترك الاستطراد وقلة المبالغة. أما القصص فى مصر فكان غالباً من عمل القصاصين والمسامرين، يلفقونه من الكتب ويتلقفونه من الأفواه، ويحدثون به الدهماء فى المجالس العامة. ورزق هؤلاء القصاص على قدر ما عندهم من القصص، فإذا ما انقطع أحدهم عن الحديث لنضوب معينة انقطعت به أسباب العيش، فهم لذلك مضطرون إلى تطويل الموضوع بالاستطراد وبسط الحادث بالتزيد، وجذب القلوب بالإغراب والمبالغة.

ومن ثم اتخذ الأدب القصصى فى مصر شكلا لا عهد للأدب العربى به، ذلك هو شكل القصة بالمعنى الذى نفهمه من كلمة Rnman فى إصطلاح الفرندُ، فإن المعروف الشائع من قبل إنما كان المثل Fable، والأقصوصة. Conte والحكاية Nouvelle وهذه الأنواع قد تولد بعضها من بعض على نحو ما يرى الأستاذ "برونتيير" Bru- netiere من تطبيق مذهب دارون على الأنواع الأدبية، فالأقصوصة نشأت من المثل، والحكاية نشأت من الأقصوصة، باتساع الخيال وفعل المبالغة وحكم الزمن.

ولكن القصة العربية قد تأخر

نشوءها إلى القرن الرابع حتى ظهرت

بمصر، لأن عملها يقتضى التطويل

والتحليل والعلم بطبائع الناس وأوصاف الشعوب. والعرب فى عهودهم الأولى كانوا أبعد بطبيعتهم ومعيشتهم عن هذه الأمور، ثم كانوا فى عصور التحضر والاستقرار يؤثرون الخاصة بأدبهم، فيضطرون