لافتعال الأحاديث واختلاق الأقاصيص فى الأغراض الحزبية المختلفة. بدأ بذلك معاوية فولى رجلا على القصص كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعا للخليفة وحزبه، ودعا على أهل خصومته وحربه. وكان هو إذا انتقل من صلاة الفجر جلس إلى القاصّ حتى يفرغ من قصصه، وكان ولاته وقواده يقدمون القصَاص فى بعض حروبهم ليقصوا على المقاتلة أخبار الشهداء وما وُعدوا به من حسن الجزاء. فعل ذلك الحجاج فى العراق، وجاراه فيه من حاربهم من زعماء الفرق. فقد ذكر ابن الأثير فى حوادث سنة ٧٧ هـ أن عتاب بن ورقاء سار فى أصحابه قبيل المعركة يحرضهم على القتال ويقص عليهم. ثم قال: أين القصّاص؟ فلم يجبه أحد.
فقال: أين من يروى شعر عنترة؟ فلم يجبه أحد.
وسار الشعر والقصص فى ركاب السياسة جنبا إلى جنب، يشبهان على الناس وجوه الرشد، ويموهان على العقول صور البطل. والقصّاص كانوا فى ذلك أشد وطاة على الحق، لأنهم ينسبون ما يفترون إلى التاريخ أو إلى الدين. فلما هدأت ثائرة الأحزاب، وسكنت طائرة الفتن. ونضجت العقول، عاد القصاص إلى المسجد فوجد الواعظ قد غلبه على مكانه، والعالم قد فطن إلى كذبه وبهتانه، والخليفة قد استغنى عنه برواته وندمائه، فانقلب إلى العامة يسامرهم فى أملائهم وأعراسهم بما أثر من أيام العرب، ونقل من أساطير العجم، من أخبار الفتوح.
وانتشر القصّاص فى العواصم العربية حتى صاروا من ظواهر اجتماعها، وحاجة من حاجات عامتها ورعاعها، واشتدت هذه الحاجة حين انفجرت الدواهى على العالم الاسلامى فى أواخر العصر العباسى وبعده من عنف المتسلطين من السلاجقة، وعسف المتغلبين من المغول، وغزو المتعصبين من الفرنك، فطلبهم العامة تفريجاً للكرب، والخاصة تشجيعاً على الحرب. ولكنهم كانوا فى مصر أبرع صناعة وأنفق بضاعة وأرفع مكانة لأن طبيعة إقليمها ونظام اجتماعها وطباع سكانها كانت تعين على ذلك.