للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العجمية، وتبادل العواطف الأخوية، ثم الاصغاء المشترك إلى (أبى درويش) وهو يقص بصوته العريض المتئد وجرسه الهادئ المتزن، حروب "عنترة" أو وقائع "أبى زيد" أو مخاطر "ابن ذى يزن" فينقلهم بقوة تمثيله أو بحسن ترتيله على جناح الخيال إلى عصور هوْلاء الأبطال، فيشهدهم مجد البطولة وسلطان الحب وفلن السحر وبطش المردة. ثم يرى الخبيث أن فورة الحماسة أو الشوق قد طفت فى النفوس لوقوع البطل فى أسر أو شدة، فيسكت ليجمع النقوط من السمار والنظار، فلا يجد هؤلاء مندوحة عن تعجيله ليعجل هو إلى اطلاق البطل من إساره، وانقاذ الجمهور من شدة قلقه ومرارة انتظاره.

هذا الرجل الذى صورته هذه الصورة المتقاربة، هذا الرجل الذى ينام النهار ويجلس الليل يحدث أربع ساعات متعاقبة، هذا الرجل الفكة اللبق الحافظ الواعظ هو الأثر التاريخى والنموذج الحقيقى لذلك القصّاص البارع الذى خلف لنا كتابنا العالمى الخالد "ألف ليلة وليلة".

ويرجع تاريخ هذا القصّاص إلى صدر الاسلام، والفضل فى وجوده كان أيضاً للقرآن الكريم، فقد اشتمل على مجملات من أخبار القرون الخالية والنذر الأولى، وكان أعلم القوم يومئذ بتفصيلها من أسلم من أهل الكتاب كتميم الدارى ووهب بن منبه وكعب الأحبار وعبد الله بن سلام. فكان هؤلاء ومن أخذ عنهم يجلسون إلى الناس فى المساجد، يفصلون ما فى كتاب الله من قصص الأنباء، ويسرفون فى تهويل هذه الأنبياء، ابتغاء للعبرة والتماساً للموعظة. ووافق هذا الضرب من الوعظ هوى النفوس فازداد إقبال الناس عليه، وكثر إفك القصاص فيه، حتى طردهم أمير المؤمنين على من المساجد ما خلا الحسن البصرى.

ولكن دهاة السياسة رأوا سلطان هذا الفن على العقول، وقوة أثره فى توجيه الميول، فاتخذوه لساناً للدعاية وسبيلا