المشبوبة سكراً، ولقلوبنا الغضة فتنة، هى نوع من الأحلام والأمانى، تراءت فى ليل الحياة الطويل، ثم تجمعت فى ذاكرة الزمن القديم وتنقلت من عهد إلى عهد، ومن مهد إلى مهد، ومن بلد إلى بلد، تحمل فى طواياها نفحات الحكمة المشرقة العالية، وعطور الأزمن البعيدة السعيدة، فوجودها أثر لوجود الإنسان، لأنها ظاهرة طبيعية من ظواهره كالغناء والشعر والرقص فلا تعرف لها أولية، ولا تحدد فى الغالب لظهورها علة. ولكن علماء الأساطير يزعمون أنها نشأت فى الهند، وهاجرت منها إلى بلاد الفرس، ثم رحلت إلى بلاد العرب، ثم استقر بها النوى فى أقطار الغرب، وفى كل مرحلة من هذه المراحل كانت تصطبغ بصبغة البيئة، وتتأثر بخصائص الجنس، وتتسم بسمات العقيدة.
وأما أبطالها الذين وجدوا على الرغم من قانون الوجود، ونازعوا أبطال التاريخ ثوب الخلود، فقد كان لبعضهم ولاشك حظ من الحياة، وشهرة بملازمة الأسفار، وملابسة الغير، فتحدث الناس أولا بما فعلوا، ثم سرجوا حول أسمائهم وأنبائهم
الأكاذيب والأعاجيب، حتى أصبحوا أعلاما على شخصيات متميزة فى البطولة والحرب والحب والحيلة والكرم، كدعد وليل فى الشعر، وأبى نواس وجحا فى التنادر.
أما أكثر الأبطال فمن خلق الخيال، ابتدعهم رموز، للمثل الأعلى، أو القدر العابث، أو الجد العاثر، أو السلطان الجائر، أو الهوى المتسلط، أو الأمل الآسى، أو الحظ السعيد.
+ القصاص: وما زلت أذكر مجلى من مجالى الأنس فى القاهرة كان جمعة القلوب وألفة النفوس ومستجم الخواطر فعصفت به ريح المدنية الحديثة. ذلك منظر المحدث أو القصَاص أو المسامر أو الشاعر فى مقهى الحى، وهو فى حلته الشرقية الضافية. فوق صفته الخشبية البالية العالية، وقد تجمع بين يديه وعن يمينه وعن شماله أوزاع العاهة وشيوخ المحلة يستجمون من كلال العمل اليومى برشف القهوة العربية وتدخين النرجيلة oilc