للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معتمدة أرسلها للأمصار، ومع هذا فقد بقيت الاختلافات فى طريقة القراءة وأصبحت موضوعًا لعلم القراءات الذى يفيد فى معرفة اللهجات العربية. لقد أثر القرآن الكريم فى اللغة الأدبية إذ كان المسلمون ينظرون إليه عبر العصور كنص بليغ معجز يستحيل تحدّيه أو الإتيان بمثله، وظهرت كتابات تتناول سر إعجاز القرآن. لقد أدى ظهور الدين الجديد بما أحدثه من تغييرات فى العقيدة والظروف الاجتماعية إلى إحداث تغييرات كانت ضرورية فى اللغة العربية. ولم يكن هذا هو كل شئ فلم يظل العرب بعد ظهور الإسلام بفترة طويلة متقوقعين فى شبه جزيرتهم ولكنهم انتشروا خارجها ينشرون الإسلام حاملين معهم القرآن الكريم بلغته العربية المهذبة البليغة وحاملين معهم أيضا خصائصهم اللغوية القبليّة وما توارثوه من أشعار وحكم وأمثال وحكايات وخطب اختزنوها فى ذاكرتهم.

ولقد أثرت هذه الفتوح تأثيرا هاما فى توحيد لغة العرب فلم تعد القبيلة هى (الوحدة الاجتماعية) فى حياة العرب، فقد كانت جيوش الغزو العربية الكبيرة مؤلفة من خليط من القبائل، وكان كثيرون ممن انخرطوا فى جيوش الغزو هذه يصحبون معهم زوجاتهم وأطفالهم ومن ثم حدث اختلاط وتزاوج بين القبائل التى استقر أفرادها فى المدن المفتوحة وفى المستقرات الجديدة كالكوفة التى كانت تضم عناصر من شمال شبه الجزيرة العربية وجنوبها ومن الحجاز ونجد.

لقد تجاوز العرب الآن (فى هذه الفترة) المرحلة القبلية ليدخلوا مرحلة تجمعات المدن والبلدان وأصبحوا أهل حواضر كالبصرة أو الكوفة، كما انتمى العرب إلى البلاد التى استوطنوا بها كالعرب المصريين أو العرب السوريين، ومثل هذه النقلة الحضارية ومثل هذا الأسلوب الجديد فى التجمع ساعد يقينا على التقليل من الفروق بين اللهجات العربية. لقد انتشرت اللغة العربية إثْر الفتوح فى بلاد كثيرة، لكن لم يكن حظها فى الانتشار واحدًا فى كل المناطق، ففى مصر والشام -مثلا-