للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقد اتخذ العلماء المسلمون فى القرون الأولى للإسلام الذين كانوا مسئولين عن هذا الانجاز الجدير بالاحترام فى مضمار تَقْنين اللغة العربية -اتخذوا منطلقًا لهم النص القرآنى الكريم الموثّق تاريخيا، ذلك النص الذى ورد فيه أنه (كتاب عربى مبين) والذى سجِّل وجُمع فى القرن الأول للهجرة (السابع للميلاد) وأحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] والتى تعنى ما ورد عنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، وأقوال الخلفاء وخطبهم وخطب مشاهير خطباء صدر الإسلام ومجموعات الشعر العربى، وجعلوا من كل هذا مثلًا يحتذى للغة الكتابة، إلّا أن الجهود الأعظم على الاطلاق والتى بذلها العلماء المسلمون فى القرون الثانى والثالت والرابع للهجرة (الثامن والتاسع والعاشر للميلاد) هى تلك التى توجهت نحو جمع ما ظل محفوظًا فى صدور الرواة والبدو عن تراث ما قبل الإسلام وإحياؤه وتحقيقه، فتم جمع إْشعار الجاهلية وأمثالها وخطبها وتم درسها والتعليق عليها واستخدمت فى شروح القرآن الكريم كما استخدمت كشواهد لغوية.

والافتراض القائل بأن هذا الجهد الذى قام به العلماء المسلمون من حيث إعادة إنشاء بناء العربية وتقنينه وإنشاء قنطرة بين الأدب العربى قبل الإسلام وبعده له ما يؤيده تاريخيا، افتراض صحيح، فالقرآن الكريم ينص فى سورة إبراهيم، آية ٤ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} وعندما كان العرب يسمعون القرآن الكريم فإنهم كانوا يفهمونه ويتذوقون عباراته الراقية ويدركون سمو لغته.

ويمكننا أن نُورد كثيرا من الشواهد التى تؤيد ما ذهبنا إليه من أن الشعر الجاهلى يتفق مع النص القرآنى والأدب الإسلامى لغة وصياغة وأسلوبا.

وثمة حقيقة أخرى وهى أن الشعر الجاهلى كما جُمع ووصل إلينا كان مفهوما ومستساغا فى كل أنحاء شبه الجزيرة العربية، فقد كانت اللغة الشعرية المتداولة فى بلاط اللخميين هى نفسها لغة الشعر عند الغساسنة، وهى نفسها فى نجد والحجاز.