سكون الساكن، لأن المعقول من الزمان، ما دام مرتبطا بالوجود فهو أسبق من كل معقول فى الذهن أو فى الواقع سوى معقول الوجود نفسه. ومن هذا الوجه لا يمكن أن يتصور العقل وجودا ليس له مدة ولا زمان، لا وجود خالق ولا وجود مخلوق وعلى هذا يكون الوجود كله فى الزمان. أما الذين قالوا إن وجود الخالق ليس فى الزمان فذلك فى نظر أبى البركات لأنهم اعتبروا أن الزمان مقدار الحركة. ولما كان الخالق لا يتحرك فهو عندهم ليس فى الزمان. على أنهم، قالوا إن وجود الخالق فى الدهر والسرمد، بمعنى البقاء الدائم الذى ليس معه حركة، فهم قد غيروا لفظ الزمان من غير تغيير فى المعنى، ومن البين أن الزمان فى رأى هذا الفيلسوف شئ واحد ثابت هو الدهر أو الدوام أو السرمد وشئ تتبدل فيه وبالنسبة إليه أحوال المتحركات وهو الزمان، لأن الزمان مدة الوجود، وهو مع ذلك ليس له عند أبى البركات "وجود مجرد وهوية قائمة بنفسها"، وهو أيضا ليس عرضا قارا فى الوجود، بل هو اعتبار ذهنى لما هو الأدوم وجودا إلى ما هو أقل دواما فى الوجود، ولما كان الزمان مدة الوجود بالمعنى المطلق فإنه كان موجودا قبل وجود هذا العالم الحادث، والقول بحدوث الزمان معناه فى رأى أبى البركات القول بحدوث الوجود. أما كيف يتصور أبو البركات هذا الزمان فهو عنده ليس جوهرا محسوسا ولا جوهرا قارا فى الوجود بل هو كم، لكنه ليس كما متصلا فى الوجود، لأن ما مضى منه قد انعدم وما سيأتى لم يوجد بعد، وهو وإن لم يكن متصلا فإن الوجود يفصله فصلا بعد فصل إلى ماض ومستقبل، وهو أيضا ليس كما منفصلا بل يعلو بعضه بعضا على الاتصال الذى لا وقفة فيه، فهو متصل فى ماهيته منفصل فى وجوده؛ وهو ليس كالحركة، لأن الحركة تختلف فى السرعة والبطء والمسافات والجهات، على حين أن الزمان ثابت، بل هو واحد لا اختلاف فيه إلا بالنسب والإضافات إلى ما فيه.
والزمان يلقى الوجود ويدخل فيه من طريق جزء غير متعين، بل مفروض