للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآراء فى الزمان، ويرفض منها قول من قال إنه الحركة، لأن كلا من الحركة والسكون يكون فى الزمان، ولأن الفرق بين الشئ ساكنا ومتحركا هو الفرق بين كونه فى مكان واحد زمانا معينا، وعدم كونه فيه، وقول من قال إنه مقدار الحركة بحسب المتقدم والمتأخر، لأن الزمان يتجدد على الساكن كما يتجدد على المتحرك، ولأنه يمكن أن تشترك حركات كثيرة من متحركات كثيرة فى جهات مختلفة مسافات مختلفة مع الاشتراك فى زمان واحد، ولأن معرفته أسبق فى الذهن من معرفة الحركة والسكون ومن الشعور بهما، ولأنه كما يمكن تقدير الحركة بالزمان يمكن تقدير الزمان بالحركة. هذا كله مع اعتراف أبى البركات أن للزمان تعلقا بالحركة فى الذهن والاعتبار. وينكر أبو البركات قول من قال بأن الشعور بالزمان مبنى على الشعور بالحركة، ويرى أن هذا يمكن أن ينعكس، بحيث يقال إن من لم يشعر بزمان لا يشعر بحركة، بل يذهب أبو البركات إلى شئ يشبه ما ذهب إليه برجسون من أن الشعور بالزمان عند الإنسان الواعى ظاهرة نفسية أو حدسية تدركها النفس "بذاتها ومع ذاتها ووجودها قبل كل شئ تشعر به وتلحظه بذهنها"، وهذا الشعور يكون موجودا عند الإنسان، حتى عندما يكون ساكنا وادعا لا يدرك شيئا بالحواس ولا يشعر بحركة متحرك، فهو فى هذه الحالة يشعر بمضى الزمان ويقدر له ما يليق به من الحركات ويحدس الأوقات بتقديره للزمان. ثم يستند أبو البركات إلى شعور النفس الإنسانية بالزمان، وهو الشعور الذى تدركه إدراكا ذهنيا عقليا، كما يستند إلى ارتباط الوجود بمدته بحيث لا يمكن تصور الوجود من غير مدة له، وينتهى إلى أن الزمان يعرف معرفة عقلية وأنه هو "مقدار الوجود". فالوجود هو الذى يقدره وهو الذى يفصله، ولا يرتفع الزمان إلا بارتفاع الوجود، فالزمان بحسب المعرفة البديهية مدة تقارن الوجود وتقابله مقابلة موضوعية -صدقا وكذبا وتساوقه ما دام موجودا- وتتقدر به ساكنا كان أو متحركا، محسوسا كان أو غير محسوس، من غير أن تتوقف على حركة المتحرك أو