اعتبارا، هو الآن السيّال الذى يشبه فى حركته خطا تخطه رأس إبرة دقيقة، فالخط نقطة متحركة، ولكن كل موضع فيه نقطة متوهمة، "واستمرار الزمان على الوجود كاستمرار خيط تجره على حد سيف بالعرض. . فكله يلقى حد السيف لكن لا يلقى منه إلا حدا بعد حد ونقطة بعد نقطة، ولا يقر على نقطة بل يتصل فى اجتيازه" ويمكن القول إن حد السيف لم يلق الخيط فى وقت من أوقات حركته، لأنه لم يلق إلا نقطة لأطول لها وليست خطا، ولكن أجزاء الخيط كله باستمرار سير الخيط تلقى السيف، لا شك فى ذلك؛ والسيف عند ذلك يقسم الخط دائما إلى سابق ولاحق، فالالتقاء بين الزمان والوجود التقاء غير مستقر. وليس الزمان آنات متتالية، بل هو أشبه بآن منجر على الاتصال، نتصور فيه النقط الزمانية افتراضا، ونتصور الزمان المتجدد المنقضى افتراضا أيضا.
ولا شك أن بعض هذا تمثيل وخيال؛ أما الصحيح فهو أن الامتداد عبارة عن بقاء الوجود الباقى عند من يتعقل معنى الوجود وبقاءه، والوجود الباقى يدركه العاقل، أزليا كان هذا العاقل أو فانيا، أما افتراض أمر وجودى منفصل عن الوجود يجتاز على الوجود فهو يؤدى إلى افتراض وجود له يجتاز عليه أمر وجودى آخر. وهذا يؤدى إلى تسلسل لا يمكن التخلص منه إلا إذا أدركنا أن البقاء شأن جوهرى للوجود الحق نميزه فى الاعتبار الذهنى، أما فى الحقيقة فإن بقاء الوجود هو عين الوجود. وإذا كان الأمر كذلك لم يكن الوجود الحق فى زمان هو ظرف له، ولم يكن هناك شئ يجتاز عليه، ومن هذا الوجه لا يكون اللَّه فى الزمان، بل هو الموجود الواجب الباقى.
ويرى الفخر الرازى المتوفى سنة ٦٠٦ هـ = ١٢٠٩ م، أن الزمان على معنيين، أحدهما أمر موجود خارج الذهن يطابق الحركة فى كونها بين مبدأ ونهاية، وثانيهما أمر متوهم لا وجود له فى الخارج، والموجود فى الخارج هو "الآن" الذى يفعل بسيلانه وجريانه أمرا ممتدا وهميا هو مقدار الحركة (١).
(١) راجع كشاف اصطلاحات الفنون، مادة زمان، وشرح المواقف ص ٢١٣ وما بعدها.