شعراء العرب، مفهوم شعرى بالمعنى الذى تقدم ذكره، وهو يهلك ويغتال ويتصرف من غير حكمة، بل هو لا يعقل ولا يشعر حتى لا يكون هناك معنى لذمه. غير أن أبا العلاء يستعمل الدهر مرادفا للزمان والمدة والوقت، والزمان والمكان عنده طرفان أو وعاءان مجردان لا لون لهما ولا حجم، وهما يشملان كل الأشياء المدركة. والزمان أوقات متتالية أو "أكوان" متشابهة، وهو يمر سريعا كالخيل التى لا تضبطها اللجم. أو كالطير، وهو يفنى، وتفنى بفنائه الأشياء والناس. لكن هذه الأوقات تؤلف الزمان المديد أو الدهر الطويل الذى لو طار جبريل بقية عمره ليخرج منه لما خرج. على أن أبا العلاء يعرف رأى من قال إن الزمان عبارة عن حركة الفلك، ويجد أن ذلك لا معنى له، ثم يذكر رأى سيبويه العالم اللغوى الذى نبغ فى النصف الثانى من القرن الثانى للهجرة، فى أن الزمان عبارة عن "مضى الليل والنهار"، ثم يعرف الزمان تعريفا يعتبره جديرا بأن تكون قد تنبهت إليه العقول، وإن كان يقول إنه لم يسمعه من أحد، وهو أن "الزمان شئ، أقل جزء منه يشتمل على جميع المدركات"، وهو فى ذلك ضد المكان، لأن أقل جزء من المكان لا يمكن أن يشتمل على شئ، والكون والزمان بهذا المعنى واحد، ويدل على ذلك قول أبى العلاء:
وأيسر كونٍ تحته كل عالم ... ولا تدرك الأكوان جرد صلادم
وإذا كان تعريف أبى العلاء للزمان تعريفا له من حيث الإضافة لغيره فيظهر أنه يعتبر أن حقيقة الزمان -أو المكان- فى ذاته شئ لا يدرك وسر من أسرار اللَّه. وقد يلاحظ الإنسان على كل حال فى رأى أبى العلاء فى الزمان شيئًا من رأى أبى سليمان السجستانى.
أما أوفى بحث وأعمقه وأطرفه عن الزمان فهو الذى نجده عند أبى البركات البغدادى الفيلسوف الإسرائيلى الذى تحول إلى الإسلام فى كبره، وتوفى سنة ٥٤٧ هـ = ١١٥٢ م (١)، وهذا الرأى نتيجة منطقية لتطور آراء الإسلاميين فى أمر الزمان. يستعرض أبو البركات