بالعربية تلك الروابط، يقرأ هذا الكتاب الجليل، ويدرسه درسًا أدبيًا، كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولًا وفاء بحق هذا الكتاب، ولو لم يقصدوا الاهتداء به أو الانتفاع بما حوى وشمل بل هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولًا ولو لم تنطو صدورهم على عقيدة ما فيه، أو انطوت على نقيض ما يردده المسلمون الذين يعدونه كتابهم المقدس "فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس، سواء انظر إليه الناظر على أنَّه كذلك في الدين أم لا.
وهذا الدرس الأدبى للقرآن في ذلك المستوى الفني، دون نظر إلى أي اعتبار دينى، هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربية أصلًا، العربية اختلاطًا؛ مقصدًا أول، وغرضًا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد ... ثم لكل ذي غرض أو صاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبى أن يعمد إلى ذلك الكتاب فيأخذ منه ما يشاء، ويقتبس منه ما يريد، ويرجع إليه فيما أحب من تشريع، أو اعتقاد، أو أخلاق، أو إصلاح اجتماعى، أو غير ذلك ... وليس شيء من هذه الأغراض الثانية يتحقق على وجهه إلا حين يعتمد على تلك الدراسة الأدبية لكتاب العربية الأوحد دراسة صحيحة كاملة مفهمة له، وهذه الدراسة هي ما نسميه اليوم تفسيرًا، لأنه لا يمكن بيان غرض القرآن ولا فهم معناه إلا بها.
فجملة القول: أن التفسير اليوم - فيما أفهمه -هو: الدراسة الأدبية، الصحيحة المنهج، الكاملة المناحى، المتسقة التوزيع. والمقصد الأول للتفسير اليوم أدبى محض صرف، غير متأثر بأى اعتبار، وراء ذلك. وعليه يتوقف تحقق كل غرض آخر يقصد إليه .. هذه هي نظرتنا إلى التفسير اليوم وهذا غرضنا منه؛ وعلى هذا الأساس نتقدم لبيان طريقة تناوله، ومنهج درسه.
٢ - أثر ترتيب القرآن في تفسيره
وننظر بين يدي الخطبة في مسألة الترتيب لنبنى عليها الرأى في كيفية تناول التفسير، وهل تتبع فيه الخطة التي سادت حتَّى اليوم -كما تقدم - فندرسه على ترتيب سوره وآيه في السور، أو على غير هذا من ترتيب؟ والقرآن -كما هو المعروف- لم يرتب على الموضوعات والمسائل، فيفرد