للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محققًا لهداية القرآن ورحمته، مبينًا لحكمة التشريع في العقائد والأخلاق، والأحكام على الوجه الَّذي يجذب الأرواح .. إلخ فالمقصد الحقيقي عنده: هو الاهتداء بالقرآن، وهو مقصد جليل ولا شك .. يحتاج المسلمون إلى تحقيقه.

لكن ليس بدعًا من الرأى أن ننظر في هذا المقصد لنقول: إنه ليس الغرض الأول من التفسير، وليس أول ما يعني به ويقصد إليه، بل إن قبل ذلك كله مقصدًا أسبق، وغرضًا أبعد، تنشعب عنه الأغراض المختلفة، وتقوم عليه المقاصد المتعددة، ولابد من الوفاء به قبل تحقيق أي مقصد آخر، سواء أكان ذلك المقصد الآخر، علميًّا أم عمليًّا، دينيًّا أم دنيويًا .. وذلك المقصد الأسبق والغرض الأبعد هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبى الأعظم، فهو الكتاب الَّذي أخلد العربية، وحمى كيانها وخلد معها، فصار فخرها، وزينة تراثها، وتك صفة للقرآن يعرفها العربي مهما يختلف به الدين أو يفترق به الهوى، ما دام شاعرًا بعربيته مدركًا أن العروبة أصله في الناس، وجنسه بين الأجناس، وسواء بعد ذلك أكان العربي مسيحيًا أم وثنيًا، أم كان طبيعيًا دهريًا لا دينيًّا، أم كان المسلم المتحنف، فإنه سيعرف بعروبته منزلة هذا الكتاب في العربية، ومكانته في اللغة، دون أن يقوم ذلك على شيء من الإيمان بصفة دينية للكتاب، أو تصديق خاص بعقيدة فيه .. وليس هذا شأن العرب فحسب، بل إن الشعوب التي ليست عربية الدم أصلًا، ولكن وصلها التاريخ، وسير الحياة بهذه العروبة، فارقضت الإسلام دينًا، أو خالطت العرب فسالت دماءها بدمائهم، ثم اتخذت العربية لغة، حتَّى صارت تلك العربية أصلًا من أصول حياتها الأدبية .. حتَّى هذه الشعوب التي ربطتها بالعربية هذه الأواصر الوثقى، إلى أن صارت العربية عنصرًا أساسيًا، وجانبًا جوهريًا من شخصيتها اللغوية الفنية، قد صار لكتاب العربية الأعظم، وقرآنها الأكرم مكانه بين ما تعنى به، من دراسة أدبية وآثار فنية قولية؛ فألزمها كل أولئك تناول هذا الكتاب بدراسة أدبية، تتفهم بها أصول ما ورثت من تلك العروبة، إن كانت عربية النجار أو كانت قد اتصلت بتلك العروبة اتصالًا قويًّا، دفع شخصيتها، وسير وجودها، ووجه حياتها .. فالعربى القح، أو من ربطته