للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشبههم في الكلاميات، حتَّى قيل فيه ما قيل آنفًا. فهذا ومثله تلوين كلامى للتفسير يضفى على القرآن، من منهج علم الكلام ويوجه تفسيره، وقد انتهى به إلى نزعات مذهبية خاصة لعل من أشهرها كشاف الزمخشرى في منحاه الاعتزالى ... كما تجد تلونيًا فقهيًا للتفسير، وآخر بلاغيًا، وغيرهما قصصيًا.، وهكذا مما تعد فيه كتب كل صنف وحدها؛ وتوصف في التاريخ التفصيلى للتفسير .. كما يبين فيه المحبب المقبول من هذا التلوين؛ والمنفر المكروه منه، كالتلوين الباطنى والإشارى المتطرف، وما إلى ذلك من تفسير مرددو، يخرج القرآن عن وضعه، ويناقض الحكمة الإلهية والغرض الإصلاحى من وصله بحياة الدين والدنيا، وقد وصف القدماء مثل هذه الألوان المنفرة المستقبحة، واستبعدوها.

أما ما عدا هذا المكروه من التلوين، فقد ينجو من هذا الاستبعاد والاستنكار؛ ولكن يبقى النظر في تحقيقه للفائده المرجوة من القرآن؛ فيسلم فيه بذلك أو لا يسلم.

وفي هذا يقول الأستاذ الإمام (١) رحمه الله: ... إن الإكثار في مقصد خاص من هذه المقاصد يخرج بالكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهى، ويذهب بهم في مذاهب تنسيهم معناه الحقيقي. كما يقول في هذا الصدد أيضًا (٢): "إن التفسير قسمان: أحدهما جاف مبعد عن الله وكتابه وهو ما يقصد به حل الألفاظ وإعراب الجمل، وبيان ما ترمى إليه تلك العبارات والإشارات من النكت الفنية، وهذا لا ينبغي أن يسمى تفسيرًا وإنما هو ضرب من التمرين في الفنون كالنحو والمعانى" .. ويقول عن التلوين الفقهى بخاصة (٣) "الأحكام العملية التي جرى الاصطلاح على تسميتها فقها هي أقل ما جاء في القرآن؛ وإن فيه من التهذيب ودعوة الأرواح إلى ما فيه سعادتها والأستاذ رحمه الله حين ينفر من هذه الألوان يطمئن إلى تلوين آخر وصفه في غير موضع، فما قال (٤) عنه: "والتفسير الَّذي نطلبه هو فهم الكتاب، من حيث هو دين يرشد الناس


(١) تفسير الفاتحة ط المنار سنة ١٣٤٥ هـ، ص ٩، ١٠.
(٢) المصدر السابق ص ١٨.
(٣) المصدر السابق ص ١٠.
(٤) المصدر السابق، ص ٨.