للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تاريخ الإنسانية الأولى؛ لأميتهم، وقلة المتداول بينهم منه، فكانت كثرة الإسرائيليات! ! وكان كل أولئك صورة عقلية لهذا العصر الأول.

ومن هنا نستطيع القول بأنه حتَّى في رواج التفسير النقلى وتداوله، تكون شخصية المتعرض للتفسير هي الملونة له، المروجة لصنف منه.

أما حين يصير التفسير عقليًا اجتهاديًا، فإن هذا التلوين الشخصى يبدو أوضح وأجلى. وقد أشرنا إلى ما لثقافة متعاطى التفسير، من الأثر في تفسيره؛ إذ أن ثقافته، ونوع معارفه هو الَّذي يحدد ناحية عنايته وميدان نشاطه، وما ينتفع به في استخراج معاني العبارة، وما يعني به قبل غيره من هذه المعاني فيتأثر التفسير بذلك كله، ويتأثر تاريخ هذه المعارف نفسها بمزاولة التفسير، أو الاهتمام به -كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فأنت ترى - في جلاء - أن التفسير، على هذا التلوين - يتأثر بالعلوم والمعارف التي يلقى بها المفسر النص، ويستعين بها في استجلاء معانيه، كما أن وصل هذه العلوم بالتفسير، يكسب هاتيك العلوم نفسها، ضربًا من الثروة، بقدر أثره في تاريخها .. فالنحوى يلقى القرآن بأصول الصنعة الأعرابية، يحكمها في فهم معانيه، ويحتكم إليها في تحديد مدلولاتها، فيلون التفسير بمنهج دراسته وأسلوبها .. ثم هو بعد ذلك يترك في حياة النحو بهذا الوصل آثارًا، تعود على دراسته، ويلتمس بيانها، في تاريخ حياة هذه المادة .. وهكذا تنوعت ألوان التفسير، وتعددت بتعدد ثقافات المتصدين له، فقد سمعت أن أبا الحسن الأشعرى المتكلم، في كتابه الَّذي سموه "المختزن" لم يترك آية تعلق بها يدعى، إلا أبطل تعلقه بها وجعلها حجة لأهل الحق ... إلخ بل ينقلون من قوله هو نفسه في وصف كتاب هذا: إن فيه من ضروب الكلام مسائل للمخالفين لم يسألوه عنها ولا سطروها في كتبهم، ولم يتجهوا للسؤال، وأجاب عنه بما وفقه الله تعالى له (١) ... وقد جاءك نبأ ما فعل الفخر الرازي في تفسيره، من جمع أقوال الحكماء والفلاسفة،


(١) ابن عساكر - تبين كذب المفترى ص ١٣٣، ط دمشق يتغير في الضمائر.