للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة، فإن هذا هو المقصد الأعلى منه، وما وراء هذه المباحث تابع له أو وسيلة لتحصيله وكذلك يقول (١) عنه "التفسير الَّذي قلنا إنه يجب على الناس، على أنَّه فرض كفاية وهو ذهاب المفسر إلى فهم مراد القائل من القول، وحكمة التشريع في العقائد والأخلاق والأحكام على الوجه الَّذي يجذب الأرواح ويسوقها إلى العمل، والهداية المودعة في الكلام، ليتحقق فيه معنى قوله (هدى ورحمة) ونحوهما من الأوصاف، فالمقصود الحقيقي وراء تلك الشروط والفنون، وهو الاهتداء بالقرآن، هذا هو اللون الَّذي يجمل في نظر الأستاذ الإمام، وسنعود للنظر إليه بعد كلمة يسيرة عن:

ط - خطة التفسير

منذ عصر مبكر (٢) جعل القوم يتناولون تفسير القرآن على ترتيب سوره، يقفون منها عند بعض الآية، أو الآية، أو الجملة من الآى، فيبينون ما فيها على اللون الَّذي يؤثره المتناول وتضفيه شخصيته على تفسيره؛ ومازالت تلك الخطبة هي السائدة في التفسير، حتَّى عندما يعني المفسر بناحية خاصة من القرآن. فبين يدينا مثلًا كتاب أحكام القرآن للجصاص - ت ٣٧٠ هـ - وهو فقهى الاتجاه، يعني


(١) المصدر السابق، ص ١٩
(٢) يقول عكرمة مولى ابن عباس- ت ١٠٥ هـ- "لقد قسرت ما بين اللوحين" - إتقان ٢: ٢٢٥ - ولابن جريح ت ١٥٠ هـ- ثلاثة أجزاء كبار في التفسير - اتقان ٢: ٢٢٤ فهذه العبارة وتلك الأجزاء الكبار إذا ما أنضم إليها ملاحظة قوة اتصال القرآن بالحياة الإسلامية، وشديد عناية القوم بأخذ الأحكام وغيرها منه، وحاجتهم الملحة في ذلك، كل أولئك وما يشبهه مؤذن بأن تتبعهم لتفسير القرآن، واستيفاءهم ذلك في سوره وأية قد كان عملا مبكرا، ولا أميل إلى تأخيره لنهاية القرن الثاني وأوائل الثالث - وصاحب ضحى الإسلام - ٢: ١٤١ - يميل إلى عد الفراء- ت ٢٠٧ هـ أول من تعرض لآية آية حسب ترتيب المصحف وفسرها على التتابع، آخذا ذلك من نص في فهرست ابن النديم، وكتاب معاني القرآن للفراه في أيدينا، وهو شبيه في تناوله للآى على ترتيبها في السور بكتاب مجاز القرآن لأبي عبيده - ت ٢٠٩ هـ وحوالى هذا. فإن القطعة التي منه بأيدينا تتناول السور على ترتيبها، وتعرض لما في السورة من آى تحتاج لبيان مجازها أي المراد بها، فليس للفراء، ولعله لو وقع إلينا شيء مما قبل ذلك العهد لرجح أن هذا التناول المرتب لتفسير سور القرآن وآيه أقدم عهدًا من صنيع الفراء وأبي عبيدة بغير قليل.