للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجواب: لَيْسَ فِيهِ شَيْء؛ لِأَنَّ الَّذِي يُحِبّ أن يصيرَ قوله هُوَ الْحَقَّ يحبّ ذلك لأجلِ أن يَكُونَ إظهار الْحَقَّ عَلَى يدِه، وإن كَانَ قصدُه أن يَكُون قولُه هُوَ الْحَقَّ لأجلِ المغالبةِ فالمسألة فيها دَخَل، ولهَذَا مسائلُ النياتِ صَعْب جدًّا عَلَى الْإِنْسَان تَحقيقها، حَتَّى قَالَ بعض السلف: إني ما جاهدتُ نفسي عَلَى شيءٍ مجُاهدتها عَلَى الإخلاص، وهَذَا صحيحٌ.

فمِن أصعبِ الأُمُورِ الإخلاصُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولهّذَا قَالَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمَّا سأله أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ قَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" لكِن شرط "خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ" (١) فهَذَا الشرطُ صعبٌ عَلَى كثيرٍ منَ النَّاسِ، وَلَيْسَ كُلّ مَن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فقد سَعِدَ بشفاعةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، أو كَانَ أسعدَ النَّاس بها، بل لَا بُدَّ أن يَكُون خالصًا من قلبِه، وإذا كَانَ خالصًا فثِقْ أَنَّهُ سيَكُونُ مُطيعًا لله، ولهَذَا الَّذِينَ يجادلون أحيانًا يَقُولُونَ: كيف تكفِّرون من ترك الصَّلَاة وَهُوَ يَقُول. لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ويؤمن بالله؟ ! نَقُول: نعم، لو قالها حقًّا ما تركَ الصَّلَاة، ونَجْزِم جزمًا أَنَّهُ لو كَانَ يعتقد ذلك حقًّا لطلبَ هَذَا الإلهَ؛ لِأَنَّ معنى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أي: لا معبودَ بحقٍّ إِلَّا الله، فأين لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ من رجلٍ لا يعبدُ اللهَ بأعظم العباداتِ، ثُمَّ أيضًا لَيْسَ الإِيمان أنك تؤمنُ بأنَّ اللهَ موجودٌ، وأن هَذَا الكون مخلوقٌ، فهَذَا إيمان حَتَّى الْكُفَّار يؤمنون بهَذَا، فأيّ عاقل لو هُوَ أكفر النَّاس سيؤمن بأن الحوادثَ لَا بُدَّ لها من محدِثٍ، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الإِيمانَ، فالإِيمان أن تؤمنَ باللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، بكلِّ ما تَضَمَّنَهُ معنى هَذِهِ الكلمةِ، وقد سبقَ لنا شرحُ الإِيمانِ أَنَّهُ يتضمَّن أربعة أمور.

الحاصل: أنَّ فِي هَذَا دليلًا عَلَى أنَّ الْإِنْسَان الَّذِي لا يريدُ الْحَقَّ لا يُوَفَّق له،


(١) رواه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، حديث رقم (٩٩).

<<  <   >  >>