اجْعَلْ رائدك الوصول إِلَى الحقّ، عسى أن يَكُون معك فتَحْمَد الله تَعَالَى أن يَسَّرَ لك الوصول إليه، وأن جعل بَيَان الْحَقَّ عَلَى يَدِكَ، أو يَكُون مَعَ خَصْمِكَ فتَحْمَد الله تَعَالَى أنَّ الله تَعَالَى يسَّر لكَ الرجوعَ عن الباطلِ، وهيَّأ لك الوصولَ إِلَى الحقِّ، فأنت عَلَى كُلِّ تقديرٍ فِي نعمةٍ ولكِن لِيَكُنْ رائدك الحقِّ. وهَذِهِ مسألة صعبةٌ جِدًّا عَلَى النفوسِ؛ أن يُراجعَ الْإِنْسَان فِي مثلِ هَذِهِ الأُمُور لأجل الوصولِ إلى الحقّ، فإن كثيرًا من النَّاس يُراجِع لأجلِ أن ينصرَ قولَه.
نعم، نَقُولُ: إن كنت تريدُ أن تراجعَ لِتَنْصُرَ قولَكَ لِأَنَّهُ الْحَقَّ فهَذَا لا ينافيه، لأنك إِنَّمَا تقصِد تقويةَ الْحَقَّ وإلزام الخَصْم به، وإن كنت تُرَاجع بنيّة أن تنصرَ قولَكَ ولو كَانَ هُوَ الْحَقَّ فالنيَّة فيها مدخولة.
فالحاصل: أن هَذِهِ مسألةٌ ينبغي للإِنْسَانِ أن يلاحظها، وَهُوَ أن مَن لا يريد الْحَقَّ لا يوفَّق له، بل يَلْتَبِس عليه الأَمْرُ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَه فِي أبينِ الأُمُورِ وأحقِّها، يَقُولُونَ: إنَّهَا أساطير الأوَّلين. وانظر إِلَى بَيَان السَّبَب فِي قوله تَعَالَى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين: ١٤]، يَعْنِي: كلَّا لَيْسَ الْقُرْآن أساطيرَ الأوَّلينَ، لكِن السَّبَب أَنَّهُم جعلوه أساطيرَ الأوَّلينَ أَنَّهُ {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فعَمُوا عنِ الْحَقَّ أو تعامَوْا عنه.
فَإِنْ قَالَ قَائِل: إذا كَانَ قصدُه طلبَ الْحَقَّ وأحبَّ أن يَكُون هُوَ الْحَقَّ، هل فِي هَذَا شَيْء؟