للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأظهره اللَّه في الميثاق، وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه ثم يأخذ ميثاق النبيين بالإيمان به ونصره قبل مولده بدهور ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب، هذا ما لا يجوزه إلا ملحد، هذا معنى كلامه.

وكيف يكون ذلك؟ وقد أتاه جبريل- عليه السّلام- وشق قلبه صغيرا، واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملأه حكمة وإيمانا كما تظاهرت به أخبار المبدإ.

قال كاتبه: يكون نبيا وآدم بين الماء والطين، ثم يجوز عليه شيء من النقائص التي نزه اللَّه عنها أنبياءه، هذا ما لا يقوله جاهل ومعاند.

قال القاضي: ولا يشتبه عليك بقول إبراهيم- عليه السّلام- في الكواكب والقمر والشمس: هذا ربي فإنه قد قيل: كان هذا في سن الطفولية وابتداء النظر والاستدلال، وقبل لزوم التكليف.

وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبكتا لقومه ومستدلا عليهم، وقيل: معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار، والمراد:

أفهذا ربي؟ قال الزجاج قوله: هذا ربي أي على قولكم: أين شركائي؟ أي عندكم، ويدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك، ولا أشرك باللَّه قط طرفة عين.

قول اللَّه- تعالى عنه: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ [ (١) ] ، ثم قال: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [ (٢) ] ، ثم قال- تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [ (٣) ] ، وقوله- تعالى: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [ (٤) ] ، أي من الشرك، وقوله- تعالى: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [ (٥) ] ، فان قلت: فما معنى قوله:

لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، قيل: إنه إن لم يؤيدني


[ (١) ] الشعراء: ٧٠.
[ (٢) ] الشعراء: ٧٥.
[ (٣) ] الشعراء: ٧٥- ٧٧.
[ (٤) ] الصافات: ٨٤.
[ (٥) ] إبراهيم: ٣٥.