للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعونته أكن مثلكم في ضلالكم وعبادتكم، على معنى الإشفاق والحذر، وإلا فهو معصوم في الأزل من الضلال.

وقال أبو محمد بن حزم: وأما قوله: إذ رأى الشمس والقمر، فقال:

هذا ربى، فقد قال قوم: إن هذا كان محققا أول خروجه من الغار، وهذه خرافة موضوعة ظاهرة الافتعال ومن المحال الممتنع أن يبلغ أحد حدّ التمييز والكلام بمثل هذا، ولم ير قط ضوء شمس بنهار، ولا ضوء قمر بالليل، وقد أكذب اللَّه- تعالى- هذا الظن بقوله الصادق: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ [ (١) ] ، فمحال أن يكون من آتاه رشده من قبل يدخل في عقله أن الكواكب والقمر أو الشمس ربه، من أجل أنها أكبر قرصا من القمر، هذا ما لا يظنه إلا مقلد سخيف.

والصحيح من ذلك أنه- عليه السلام- إنما قال ذلك موبخا لقومه، كما قال ذلك لهم في الكبير من الأصنام، ولا فرق، لأنهم كانوا على دين الصالحين يعبدون الكواكب، ويصورون الأوثان على صورها، وأسمائها في هياكلهم، ويعدون لها الأعياد، ويذبحون لها الذبائح، ويقربون لها القرابين والدخن، ويقولون: إنها تعقل، وتدبر، وتضر، وتنفع، ويقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة، وقد وبخهم الخليل- عليه السّلام- على ذلك وسخر منهم، وجعل يريهم تعظيم الشمس لكبر جرمها، كما قال- تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [ (٢) ] ، فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم هذه الأجرام المسخرة الجمادية، وبين لهم أنها مدبرة تنتقل في الأماكن، ومعاذ اللَّه أن يكون الخليل أشرك قط برب أو شك في أن الفلك بما فيه مخلق، وبرهان قولنا هذا أن اللَّه تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكرنا ولا عنفه على ذلك، فصح أن هذا بخلاف ما وقع لآدم- عليه السّلام، وأنه وافق مراد اللَّه- تعالى- فيما قال من ذلك، وبما فعل، يعني إبراهيم- عليه السّلام.


[ (١) ] الأنبياء: ٥١.
[ (٢) ] المطففين: ٣٤.