للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السكينة التي تتغشاه، لقوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [ (١) ] ، ويكون استغفاره عندها إظهار العبوديّة والافتقار.

وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للأمة يحملهم على الاستغفار، وقد يحتمل أن تكون هذه الإغاثة حالة خشية وإعظام يغشى قلبه، فيستغفر حينئذ شكرا للَّه- تعالى، وملازمة لعبوديته كما قال في ملازمة العبادة: أفلا أكون عبدا شكورا؟.

وعلى هذه الوجوه الأخيرة يحمل ما روى في بعض طرق هذا الحديث

عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه ليغان على قلبي في اليوم أكثر من سبعين مرة، فأستغفر اللَّه.

قال القاضي فإن قلت: فما معنى قوله- تعالى- لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [ (٢) ] ، وقوله- تعالى- لنوح عليه السّلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [ (٣) ] ، فاعلم أنه لا يلتفت في ذلك إلى قول من قال في آية نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم:

لا تكونن ممن يجهل أن اللَّه لو شاء لجمعهم على الهدى، وفي آية نوح:

لا تكونن ممن يجهل ان وعد اللَّه حق، لقوله- تعالى: إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، إذ فيه إثبات الجهل بصفة من صفات اللَّه، وذلك لا يجوز على الأنبياء، والمقصود: وعظهم أن يتشبهوا في أمورهم بسمات الجاهلين، كما قال:

إِنِّي أَعِظُكَ وليس في آية منهما دليل على كونهم على تلك الصفة التي نهاهم عن الكون عليها، فكيف وآية نوح: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؟

فحمل ما بعدها على، قبلها أولى، لأن مثل هذا قد يحتاج إلى إذن، وقد تجوز إباحة السؤال فيه ابتداء فنهاه اللَّه- تعالى- أن يسأله عن ما طوى علمه عنه، وأكنه في غيبه، من السبب الموجب لهلاك ابنه، ثم أكمل اللَّه- تعالى- نعمته بإعلامه ذلك بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ حكى معناه مكي.


[ (١) ] التوبة: ٤٠.
[ (٢) ] الأنعام: ٣٥.
[ (٣) ] هود: ٤٦.