للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلبه صلّى اللَّه عليه وسلّم بل أصل الغين في هذا ما يتغشى القلب ويغطيه، قال أبو عبيد: وأصله من غين السماء، هو إطباق الغيم عليها، وقاله غيره.

والغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية كالغيم الرقيق الّذي يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس، وكذلك لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة أو أكثر من سبعين في اليوم، إذا ليس يقتضيه لفظه الّذي ذكرناه، وهو أكثر الروايات، وإنما هذا عدد للاستغفار، لا للغين، فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهرها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق، مما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم دفع إليه من مقاساة البشر، وسياسة الأمة ومعاناة الأهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحتة النفس، كلفه من أعباء أداء الرسالة، وحمل الأمانة وهو في كل هذا في طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم أرفع الخلق إلى اللَّه مكانة، وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه، وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع حالته، رأى صلّى اللَّه عليه وسلّم حال فترته عنها، فاستغفر اللَّه من ذلك، هذا أولى وجوه الحديث وأشهرها.

وإلى معنى ما أشرنا عنه مال كثير من الناس إليه، وحام حوله، فقارب ولم يرد، وقد قربنا غامض معناه، وكشفنا للمستفيد محيّاه، وهو مبني على جواز الفترات والغفلات، والسهو في غير طريق البلاغ على ما سيأتي.

قال كاتبه: نعم ما قرره القاضي إلا أنى أقوال: ليس مع ذلك فترة منه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا غفلة، ولا سهو، وإنما هو شغل بالتبليغ إلى الخلق من الاستغراق في جناب الحق، فإذا فرغ من ذلك، ارتاح لما هنالك، فاستغفر ربه لا من ذنب بل تعرض منه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنفحات الربانية.

قال القاضي: وذهبت طائفة من أرباب القلوب ومشيخة المنصوفة ممن قال بالتنزيه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن هذا جملته، وأجعله أن يجوز عليه، في حال سهوا وفترة إلا أن معنى الحديث ما يهم خاطره، وبعد فكره من أمر أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم لاهتمامه بهم، وكثرة شفقته عليهم، فيستغفر اللَّه لهم، قالوا وقد يكون الغين على قلبه