للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك أمر نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم في الآية الأخرى بالتزام الصبر على إعراض قومه لا يخرج عند ذلك، فيقارب حال الجاهل بشدة التحسر، حكاه أبو بكر بن فورك.

وقيل: معنى الخطاب لأمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أي فلا تكونوا من الجاهلين، حكاه أبو محمد مكي، وقال: في القرآن كثير، فبهذا الفصل وجب القول بعصمة الأنبياء منه بعد النبوة قطعا.

وقال أبو محمد بن حزم: وذكروا قول اللَّه- تعالى- لنوح- عليه السلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، وهذا لا حجة لهم فيه، لأن نوح تأول وعد اللَّه- تعالى- له أن يخلصه وأهله، فظن أن ابنه من أهله وهذا لو فعله أحدنا لكان مأجورا، ولم يسأل نوح تخليص من أيقن أنه ليس من أهله لكن هو أقرب القرابة إليه فقرع على ذلك ونهى أن يكون من الجاهلين فتذمم- عليه السلام- من ذلك ونزع، وليس هاهنا عمد للمعصية البتة.

وقال الطوفي: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [ (١) ] ، يحتج به من يرى العموم وأن له صيغة والتمسك به بأن نوحا إنما تمسك في هذا السؤال لعموم قوله- تعالى: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [ (٢) ] ، وهو اسم جنس مضاف يفيد العموم، فصار تقدير سؤال نوح- عليه السّلام إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وقد وعدتني بإنجاء أهلي قال: يا نوح إنه ليس من أهلك يحتمل وجوها:

أحدها: أن ابنك مخصوص في علمنا من عموم أهلك، فليس هو من أهلك الناجين.

الثاني: أنه ليس من أهل دينك بذلك، إنه عمل غير صالح وحينئذ يكون الأهل في قوله- تعالى- مجازا عن الموافقين في الإيمان.

الثالث: ما قيل إن هذا الولد كان ابن زوجته أو أنه ولد على فراشه من غيره، بدليل أنه عمل غير صالح برفعة عمل ونحوه مما لا يليق بعضه


[ (١) ] هود: ٤٥.
[ (٢) ] هود: ٤٠.