للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبادَه من وراءِ حجابٍ؛ لأنَّه لو كَشَفَ الحجابَ لَهَلَكَ الإنسانُ ولم يستطعْ أن يَثْبُتَ أمام رؤيةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ولمَّا قال موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعرافِ: ١٤٣] قال هذا شوقًا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لا شكًّا قال ذلك شوقًا إلى اللهِ قال اللهُ له: {لَنْ تَرَانِي} يعني: لا يُمْكِنُ أن تراني {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} الجبلِ الأصَمِّ الصُّلْبِ {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} هو تَجَلَّى لَمْ يَظْهَرْ كُلُّه، تَجَلَّى للجبلِ {جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعرافِ: ١٤٣] انْدَكَّ الجبلُ مرةً واحدةً وساوى الأرضَ، أما موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فلمَّا رأى هذا صَعِقَ - غُشِيَ عَلَيْهِ - من هَوْلِ ما رأى، فهل الآدميُّ الضعيفُ يَثْبُتُ لرؤيةِ اللهِ والجبلُ لم يَثْبُتْ؟ لا واللهِ، ولهذا انْدَهَشَ موسى وصَعِقَ وعَلِمَ أنَّه لا يُمْكِنُ أن يرى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

تنبيه: ذَكَرْنا أنَّه {تَجَلَّى} أي: بعْضُه عَزَّ وَجَلَّ على أنِّي في قلقٍ من هذا، من كَوْنِ المرادِ بَعْضَه؛ لأنَّ الأصْلَ أنَّه كُلُّه، لكن قد يقالُ: إنَّه يَمْنَعُ من هذا أنَّ اللهَ تعالى يعني: لا يحيطُ به شيءٌ من مخلوقاتِهِ، فلا يُمْكِنُ أن يتجلَّى كلُّه والأرضُ ما هي ليستْ بالنِّسبةِ إليه شيءٌ.

فإن قال قائلٌ: هل معنى هذا أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يَرْزُقُنا يومَ القيامةِ قُوَّةً في أبصارِنا حتَّى نَنْظُرَ إليه؟

فالجوابُ: أي نعم، قوةُ النَّاسِ يومَ القيامةِ لا تُنْسَبُ إليها قوةُ الدُّنْيا أبدًا، أليس يَمْكُثون خمسين ألْفَ سنةٍ لا يأكلون ولا يَشْرَبُون، هذا لا يُمْكِنُ أن يُطاقَ في الدُّنْيا، أليس الواحدُ يَنْظُرُ إلى مُلْكِه في الجنَّةِ مسيرةَ ألفيْ سَنَةٍ يرى أقصاه كما يرى أدناه؟ هذا لا يُمْكِنُ في البشرِ في الدُّنْيا.

<<  <   >  >>