للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (١٣)]

* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: ١٣].

* * *

قوله: {شَرَعَ لَكُمْ} الخطابُ لهذه الأُمَّةِ - وللهِ الحمدُ - ومعنى {شَرَعَ لَكُمْ}؛ أي: سَنَّ لكم، وجَعَلَ لكم شريعةً هي {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}، قال الشارحُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [هو أوَّلُ أنبياءِ الشريعةِ]، وتَسَاهَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ في هذا، والصوابُ أن يقولَ: هو أوَّلُ رُسُلِ الشريعةِ؛ لأنَّه جاء في الحديثِ الصحيحِ: "أنَّ الخَلْقَ يومَ القيامةِ يأتون إلى نوحٍ لِيَشْفَعَ لهم، فيقولون له: أنت أوَّلُ رسولٍ أرسله اللهُ" (١) ولأنَّ الرسولَ أخصُّ من النَّبيِّ، ولا ينبغي أن نَعْدِلَ عن الأخصِّ إلى الأعمِّ.

إذن: الصوابُ أن نقولَ: هو أوَّلُ رُسُلِ الشريعةِ، أما أوَّلُ أنبياءِ الشريعةِ فهو آدمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نبيٌّ مُكَلَّمٌ، لكنه ليس برسولٍ، والحكمةُ من كونِهِ غيرَ رسولٍ: أنَّ الناسَ لم يختلفوا بَعْدُ، واللهُ تعالى أرسل الرُّسلَ لِيَحْكُمُوا بَيْنَ الناسِ فيما اختلفوا فيه، كما قال جَلَّ وَعَلَا: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِه}، رقم (٣٣٤٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>