قوله:{شَرَعَ لَكُمْ} الخطابُ لهذه الأُمَّةِ - وللهِ الحمدُ - ومعنى {شَرَعَ لَكُمْ}؛ أي: سَنَّ لكم، وجَعَلَ لكم شريعةً هي {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}، قال الشارحُ رَحِمَهُ اللَّهُ:[هو أوَّلُ أنبياءِ الشريعةِ]، وتَسَاهَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ في هذا، والصوابُ أن يقولَ: هو أوَّلُ رُسُلِ الشريعةِ؛ لأنَّه جاء في الحديثِ الصحيحِ:"أنَّ الخَلْقَ يومَ القيامةِ يأتون إلى نوحٍ لِيَشْفَعَ لهم، فيقولون له: أنت أوَّلُ رسولٍ أرسله اللهُ"(١) ولأنَّ الرسولَ أخصُّ من النَّبيِّ، ولا ينبغي أن نَعْدِلَ عن الأخصِّ إلى الأعمِّ.
إذن: الصوابُ أن نقولَ: هو أوَّلُ رُسُلِ الشريعةِ، أما أوَّلُ أنبياءِ الشريعةِ فهو آدمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نبيٌّ مُكَلَّمٌ، لكنه ليس برسولٍ، والحكمةُ من كونِهِ غيرَ رسولٍ: أنَّ الناسَ لم يختلفوا بَعْدُ، واللهُ تعالى أرسل الرُّسلَ لِيَحْكُمُوا بَيْنَ الناسِ فيما اختلفوا فيه، كما قال جَلَّ وَعَلَا: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ
(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِه}، رقم (٣٣٤٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.