للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عدمِ الجوازِ؛ لأنَّ قولَ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هذا، لبيانِ الواقعِ لا لبيانِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ، يعني: إن جرت العادةُ في المُسَابَّةِ بين النَّاسِ أنَّ الرَّجلَ إذا سَبَّ أبا الرَّجُلِ سَبَّ أباه.

وانْزِلْ إلى الأسواقِ انظُرِ المسابَّةَ بين النَّاسِ، إذا سبَّ أباه سبَّ أباه، فيكونُ قولُ الرَّسولِ هذا بيانًا للواقِعِ، وبيانُ الواقعِ لا يعطي الجوازَ شَرْعًا، والدَّليلُ على أنَّ بيانَ الواقعِ لا يُعطِي الجوازَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كَانَ قَبْلَكُم" (١)، اليهودِ والنَّصارى، فليس لنا أن نَتَّبعَ اليهودَ والنصارى، ولكنَّ هذا لبيانِ الواقِعِ.

كذلك أيضًا أخبر أنَّ المرأةَ تُسافِرُ من كذا إلى كذا وَحْدَها، لبيانِ الواقِعِ، وليس لبيانِ الحُكْمِ الشرعِيِّ.

فإذا قال قائلٌ: ما هو الَّذي حَمَلَكَ على أن تَجْعَلَ قولَهُ: "يَسُبُّ أبا الرجُلِ فَيَسُبُّ أباه، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" لبيانِ الواقِعِ لا لبيانِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؟

فالجوابُ: الَّذي حَمَلَني على هذا أنَّه لا يجوزُ العدْوانُ على أحدٍ لم يقعْ منه عدوانٌ، هذا ظُلْمٌ، كيف أسبُّ أباه؟ ! هذا ظُلْمٌ لا شكَّ، والظُّلمُ لا يَأْذَنُ به الشَّرعُ، لكن لو قال قائلٌ: إنَّه إذا لَعَنَ والديه فلا تَطِيبُ نفسُ الَّذي لُعِنَ والداه إلَّا إذا لَعَنَ وَالِدَيِ الآخَرِ؛ لأنَّ لَعْنَ الوالدين إذلالٌ للولدِ، وهو يُريدُ أن يُطَيِّبَ نَفْسَه. نقولُ: الحمدُ للهِ، هذا ليس هناك ضرورةٌ؛ إذا لَعَنَ والديك الْعَنْه هو، وهذا أشدُّ في الإذلالِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (٣٤٥٦)، ومسلم: كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم (٢٦٦٩)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>