فالحاصلُ: أنَّه إذا دعا على أبيك وأُمِّكَ لا تَدْع على أبيه وأمِّهِ؛ لأنَّه لا ذَنْبَ لهما، والحديثُ تقدم الجوابُ عنه، أنَّه بيانٌ للواقِعِ لا للحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، ولكن لك أن تُحَوِّلَ السَّبَّ واللَّعْنَ إلى نَفْسِ الفاعِلِ لا إلى والديه.
فإن قال قائلٌ: هل القاتلُ يُقْتَلُ بِمِثْلِ ما قَتَلَ به أو يُقْتَلُ بالسَّيْفِ؟
فالجوابُ: يُقْتَلُ بِمِثْلِ ما قَتَلَ به؛ لأنَّ النَّبى- صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - رَضَّ رَأْسَ اليهوديِّ بين حَجَرَيْنِ، لأنَّه رَضَّ رَأْسَ الجاريةِ بين حَجَرَيْنِ (١)، وقال عَزَّ وَجَلَّ:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرةِ: ١٩٤] لكن استثنى العُلَمَاءُ أن تكونَ الوسيلةُ مُحَرَّمَةً لذاتِها، فلا يُقْتَصُّ منه، قالوا: فلو تَلَوَّطَ رجلٌ بطفلٍ صغيرٍ، وهو يَعْرِفُ أنَّ هذا الفِعْلَ يَقْتُلُه، ثمَّ مات الطفلُ من أَجْلِ هذا، فلا نُقِيمُ رجلًا يتلوَّطُ بهذا. قال بعضُ العُلَمَاءِ: لا نَفْعَلُ. وهذا معلومٌ؛ لأنَّ اللِّواطُ مُحَرَّمٌ لذاتِهِ، لكن هل نُدْخِلُ خشبةً في دُبُرِهِ حتَّى يموتَ؟ وهذا له وِجْهَةُ نظرٍ؛ لكن عندي أنَّ فيه نظرًا، وذلك لأنَّ الْخشَبَةَ أشدُّ ألمًا من اللِّوَاطِ، فلا يُمْكِنُ القِصاصُ.
قولُهُ:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(مَنْ) هذه شَرْطِيَّةٌ، وفِعْلُ الشَّرْطِ {عَفَا}، والمعطوفُ عليه جملةُ {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} هي جوابُ الشَّرْطِ.
يقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{فَمَنْ عَفَا}؛ أيْ: لم يُؤاخَذْ بالذَّنْبِ، يعني: عمَّن ظَلَمَه، {وَأَصْلَحَ} قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [الوُدّ بينه وبين المَعْفُوِّ عنه {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}؛ أي: أنَّ اللهَ تعالى يَأجُرُه لا محالةَ].
(١) أخرجه البخاري: كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود، رقم (٢٤١٣)، ومسلم: كتاب القسامة والمحاربين، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر ... ، رقم (١٦٧٢)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.