فَلْنُفْسِدْ عُشْرَ ثَوْبِه مع أنَّه هو المعتدي، وهذا ينطبقُ تمامًا على قولِ اللهِ تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشُّورَى: ٤٠].
مثال ذلك: رجلٌ غاضِبٌ قال لشخصٍ: أنت حمارٌ، فهل يقولُ له: أنت الحمارُ؟
الجوابُ: يقولُهُ، لكن هل يقولُ: أنت حمارٌ وأبوك حمارٌ؟ الجوابُ: لا، هذا عُدْوَانٌ، لكن يقولُ: أنت حمارٌ.
فإذا قال له: لَعَنَكَ اللهُ، هل يقولُ: بل لعنك أنت؟
الجوابُ: معكم كتابُ اللهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فله أن يقولَ هذا؛ ولذلك إذا لَعَنَ الإنسانُ شخصًا لم يَكُنْ أهلًا له تَرْجِعُ اللَّعنةُ إلى الأوَّلِ؛ فَيُعَاقَبُ بمثلِ ما فَعَلَ.
واسْمَعْ كلامَ المفسِّرِ رَحِمَهُ اللهُ يقولُ:[وهذا ظاهرٌ فيما يُقْتَصُّ فيه من الجراحاتِ]{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الَّذي يُقْتَصُّ فيه من الجراحاتِ كُلُّ عُضْوٍ قَائِمٍ بنَفْسِه، وكلُّ جُرْحٍ ينتهي إلى عَظْمٍ، هذا فيه القِصاصُ.
وكلُّ عُضْوٍ قائمٍ بنَفْسِه مِثْلَ: العينِ والإصْبَعِ وما أَشْبَهَ ذلك، هذا يُقْتَصُّ، رَجُلٌ قَطَعَ خِنْصَرَكَ تُقْطَعُ خِنْصَرَه. أو جُرْحٌ يَنْتَهِي إلى عَظْمٍ، جَرَحَه في رَأْسِه حتَّى بان عَظْمُ رأْسِه يُقتصُّ منه، جَرَحَهُ في ساقِه حتَّى بان العظْمُ يُقْتَصُّ؛ حتَّى لو كانت طبقةُ اللَّحمِ الَّتي على العظمِ في الجاني أَغْلَظَ، يُقْتَصُّ حتَّى يَصِلَ إلى العظْمِ، فإذا كان الجُرْحُ لا يَصِلُ إلى العَظْمِ؛ مِثْلَ أن جَرَحَه في فَخِذِه جُرْحًا لم يَنْتَهِ إلى العَظْمِ؛ يقولُ الفقهاءُ: إنَّه لا يُقْتَصُّ منه، وذلك لعدَمِ انضباطِ القِصاصِ، فهو لا يَنْضَبِطُ إلَّا إذا وَصَلَ للعَظْمِ، لكن نظرًا لتقدُّمِ الطِّبِّ، نقولُ: إذا أمكن أن يُقْتَصُّ منه اقْتُصَّ منه.