وقوْلُ المفسِّرِ رَحِمَهُ اللهُ:[سُمِّيَتِ الثَّانيةُ سَيِّئَةً لمشابَهَتِها الأُولى في الصُّورةِ]، فيه نظرٌ واضحٌ فالمقاصَّةُ سيئةٍ، لكن ليست سيئةً بالنِّسبةِ للفاعِلِ، بل هي سيئةٌ بالنِّسبةِ لمن اقْتُصَّ منه، تسوؤُه وتؤلمُه وترُدُّ اعتبارَه إذا كان يرى أنَّه فوق صاحبِه، فهي سيئةٌ لا باعتبارِ الفاعِلِ ولكن باعتبارِ المُقْتَصِّ منه.
وأمَّا قولُهُ:[لمشابَهَتِها الأُولى] فلا يُمْكِنُ أن تُطْلَقَ السَّيِّئةُ لمُطْلَقِ المشابَهَةِ، أو لمجرَّدِ المشابَهةِ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} هذا في الواقِعِ هذه قاعدةٌ في جميعِ الإقتصاصِ، فلننظرْ إذا شقَّ ثَوْبَكَ فهل تشقُّ ثوبَهُ؟ ظاهرُ الآيةِ نعم، لكن إذا كان ثوبُك رديئًا يساوي عَشَرَةً وثوبُهُ جيدًا يساوي مئةً، إذا شَقَقْتَه يَنقُصُ العُشْرَ، مثلًا هذا الثوبُ يساوي عشرةَ ريالاتٍ شَقَّه المعتدي بشقٍّ يُنْزِلُ قيمتُه العُشْرَ، أي: ريالًا واحدًا، فهل نقولُ: العِبْرةُ بالمعنى فإنه لمَّا شقَّ ثوْبَكَ أَذَلَّكَ وأنت إذا اقْتَصَصْتَ منه وشَقَقْتَ ثَوْبَهُ أَذْلَلْتَه، وهو البادئُ، فَنَشُقُّ ثَوْبَهُ ولو كان أغلى؛ لأنَّ هذا الَّذي ثوْبُهُ بعَشَرَةٍ يَنْكَسِرُ اعتبارُه كالَّذي ثوبُهُ بمئةٍ، والمقصودُ إذلالُ المعتدي وكسْرُ اعتبارِهِ. وعلى هذا فنقولُ: من شَقَّ ثَوْبَكَ فَشُقَّ ثَوْبَهُ.
وهل المُعْتَبَرُ المساحةُ أو المُعْتَبَرُ النِّسبةُ؟ يعني مثلًا: هذا إنسانٌ قصيرٌ شُقَّ ثَوْبُه بمقدارِ شِبْرٍ، الشِّبْرُ هذا يُساوي العُشْرَ مثلًا من ثوْبِه، والآخرُ طويلٌ جدًّا شُقَّ ثَوْبُهُ بمقدارِ شِبْرٍ، هل يتساوى في النِّسبةِ مع ذاك؟
الجوابُ: لا يتساوى، إذن: العدلُ أن يَكُونَ المُعْتَبَرُ النِّسبةَ؛ فإذا شُقَّ نِصْفُ هذا الثوْبِ القصيرِ، مساحتُهُ ذراعٌ، والطَّويلُ شَقَّهُ بمساحةِ ذراعٍ، لكنه طويلٌ، طولَ الأوَّلِ مرتين، لا يكفي. نقولُ شُقَّ إلى أن تَبْلُغَ النِّسبةَ، إذا كان العُشْرَ فهذا العُشْرُ؛ لأنَّ هذا هو العدلُ في الحقيقةِ، لأنَّ المعتديَ أَفْسَدَ عُشْرَ ثوبِ المُعْتَدَى عليه،