للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إثباتُ الكلماتِ للهِ؛ لقولِهِ: {بِكَلِمَاتِهِ} واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى متكلِّمٌ بكلامٍ حقيقيٍّ؛ بحروفٍ وأصواتٍ مسموعةٍ ومحاورةٍ بينه وبين من شاء من خَلْقِه، وهذا مذهبُ السلفِ الصالحِ، وعليه جرت المحنةُ العظيمةُ على أئمةِ المسلمين من أمراءِ الجَوْرِ والظُّلْمِ وعلماءِ السُّوءِ؛ حيث ابتدعت الجهميَّةُ والمعتزلةُ القولَ بأن اللهَ لا يتكلَّمُ وإنما يَخْلُقُ كلامًا، فقالوا: إن اللهَ عزَ وَجَلَّ لا يتكلَّمُ لكن يَخْلُقُ كلامًا وكلامُهُ مخلوقٌ، فيقالُ: لو قُلْنا بأن كلامَ اللهِ مخلوقٌ لبطلت الشريعةُ؛ لأنَّه يستوي الأمرُ والنهيُ، والخبرُ والإستخبارُ، والقصصُ تستوي؛ لأنَّها مخلوقةٌ لا يمتاز بعضُها عن بعضٍ فهي باعتبارِ الصوتِ كزمجرةِ الرعدِ، وباعتبارِ الكتابةِ كنقوشُ البدعِ؛ لأنَّها مخلوقةٌ، وحينئذٍ لا أَمْرَ ولا نهيَ، ولا خبرَ ولا استخبارَ، ولا شيءَ.

وتلطفت طائفةٌ فلم تُوَفَّقْ وقالوا: إن كلامَ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، لكن كلامَهُ هو المعنى القائمُ بنفسه، وما سُمِعَ منه فهو عبارةٌ عن كلامِ اللهِ وهو مخلوقٌ.

فانظر كيف ضَلَّتْ هذه الطائفةُ حتى صارت أشدَّ ضلالًا من الذين قالوا إن الكلامَ مخلوقٌ. ما معنى كلامِهِم: يقولون: كلامُ اللهِ هو المعنى القائمُ بنفْسِه. كما أنه لو أنك في نفْسِك قَدَّرْتَ أن تَتَكَلَّمَ بقولٍ ثم قلْتَ، هم يقولون: إن اللهَ تعالى أَضْمَرَ الكلامَ في نفْسِه ثم خَلَقَ أصواتًا تدلُّ عليه. فيكونُ هذا الذي في المصحفِ ليس كلامَ اللهِ، لكنه مخلوقٌ خَلَقَه اللهُ ليعبِّرَ عما في نفسِ اللهِ، المعتزلةُ يقولون: الذي في المصاحفِ كلامُ اللهِ مخلوقٌ، والأشاعرةُ يقولون: ليس كلامَ اللهِ وهو مخلوقٌ، فأيهما أقربُ إلى الصوابِ؟

الجوابُ: المعتزلةُ أقربُ، وهؤلاء يزعمون أنهم العقلاءُ عن الأشاعرةِ، وأنهم حاولوا الجَمْعَ بين المنقولِ والمعقولِ، ولكنهم أفسدوا المنقولَ والمعقولَ، فنحن نقولُ:

<<  <   >  >>