في عهدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (١). قالوا: لا حجةَ في هذا؛ لأننا لم نَعْلَمْ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اطَّلَعَ عليه، فما الجوابُ؟ الجوابُ: إذا لم يَطَّلِعْ عليه اطَّلَعَ اللهُ عليه، ولو كان باطلًا عَند اللهِ لبيَّنه، كما بَيَّنَ حالَ الذين يُبَيِّتُونَ ما لا يرضى من القولِ ويَكْتُمُونه عن الناسِ، فقال:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}[النساءِ: ١٠٨].
إذن دَفَعْنَا شبهةَ هؤلاء الذين قالوا: لعلَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَعْلَمْ به، بأن اللهَ عَلِمَه، ولو كان باطلًا لم يُقِرَّه، على أننا نقولُ: يَبْعُدُ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَعْلَمْ به ومعاذٌ قد شُكِيَ إلى الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بأنه يطيلُ في الصلاةِ، لكن نريدُ أن نتنزلَ مع الخصمِ ونقولَ: هبْ أن الرسولَ لم يَعْلَمْ به فإن اللهَ قد عَلِمَ به.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أنه لا يُمْكِنُ أن يُمَكِّنَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لأحدٍ كافرٍ تمكينًا مطلقًا، يُؤْخَذُ ذلك من قولِهِ:{فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} فلا يُمَكِّنُكَ من الباطلِ.
وقولُنا:"التمكينُ المُطْلَقُ" خرج به ما لو مَكَّنَ اللهُ تعالى للكافرِ على وجهٍ لا يستقرُّ، كما حصل في غزوةِ أُحُدٍ، فإن المشركين هزموا المسلمين، لكنه ليس هزمًا مستقرًّا، بل هو من حِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أن يُمَكِّنَ للكفارِ حتى يتشجعوا على حَرْبِ المسلمين، ثم يقضي المسلمون عليهم.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أن اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا محا الباطلَ جَعَلَ مكانَهُ الحقَّ؛ لقولِهِ:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ}.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الجماعة والإمامة، باب إذا صلى ثم أم قوما، رقم (٧١١)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، رقم (٤٦٥)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.