للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من زَعَمَ أن الإمامَ مالكًا رَحِمَهُ اللَّهُ مُفَوِّضٌ فقد كَذَبَ، هذا كلامُهُ قال: "الإستواءُ غيرُ مجهولٍ". يعني معلومٌ ولا يَجْهَلُهُ أحدٌ، وأما قولهم: "أَمَرُّوها كما جاءت"، فنعم - واللهِ - قالوا هكذا: أَمَرُّوها كما جاءت بلا كيفٍ. هذا حقٌّ.

فإن قال قائلٌ: إذا أَمْرَرْنَاها كما جاءت، فهل نُثْبِتُ اللفظَ فقط دون المعنى؟

فالجوابُ: لا؛ لأنَّها ألفاظٌ جاءت لمعانٍ لم يُنْزِلْهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ألفاظٌ جوفاءُ لا معنى لها، أو لها مئةُ معنًى ولا ندري أيها المرادُ أبدًا، فنقولُ: أَمْرَرْنَاها كما جاءت؛ أي: ألفاظًا لمعانٍ، ثم قولُهُم: بلا كَيْفٍ. يدلُّ على إثباتِ المعنى؛ لأنَّه لولا ثبوتُ المعنى ما صحَّ أن يقولوا: بلا كيفٍ؛ إذ نفيُ الكيفِ عما ليس بالموجودِ لغوٌ من القولِ، يُنَزَّهُ عنه كلامُ السلفِ.

فمن استدلَّ بقولِ السَّلَفِ هذا قلنا: هذا دليلٌ عليك وليس لك، وأنا أعطيكم فائدةً: عن شيخِ الإسلامِ ابْنِ تيميَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كلُّ إنسانٍ يَسْتَدِلُّ بدليلٍ صحيحٍ ثبوتًا، فإنه سيكونُ دليلًا عليه، سبحانَ اللهِ! كلُّ إنسانٍ يستدلُّ بدليلٍ صحيحٍ ثبوتًا على باطلٍ فسيكونُ دليلًا عليه.

هذه قاعدةٌ، وشيخُ الإسلامِ الْتَزَمَ بها قال: أنا أَلْتَزِمُ أن كلَّ إنسانٍ يأتي بدليلٍ صحيحٍ ثبوتًا يعني: ثابتًا ثبوتًا لا شكَّ فيه على باطلٍ؛ أَلْتَزِمُ أن أَجْعَلَه دليلًا عليه؛ لأنَّ استدلالَ أهلِ الباطلِ بالدليلِ الصحيحِ معناه: أنه يَشُمُّ منه رائحةَ المعنى، ولا يُمْكِنُ أن يكونَ المعنى الذي يُشَمُّ من هذا الإستدلالِ باطلًا.

ولذلك تَأَمَّلْ - إذا فَتَحَ اللهُ عليك - جميعَ الأقوالِ الباطلةِ التي يستدلُّ قائلوها بدليلٍ صحيحٍ من الكتابِ والسُّنَّةِ، فسترى أن ما استدلوا به دليلٌ عليهم، هذه الجملةُ التي ذُكِرَتْ أَمَرُّوهَا كما جاءت بلا كيفٍ، الآن فَهِمْنَا أنها تَرُدُّ عليهم من وَجْهَيْنِ:

<<  <   >  >>