للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا من حيث المعنى إن أردْتَ أن اللهَ محدودٌ بمعنى أنه منحازٌ عن الخلائقِ، ووحده شيءٌ آخرُ، والمخلوقاتُ شيءٌ آخرُ فهذا صحيحٌ، وإن أردْتَ أنه محدودٌ يعني أن شيئًا من المخلوقاتِ أحاط به فهذا باطلٌ، ولا نحتاجُ أن نقولَ: بحدٍّ، ولا بغيرِ حدٍّ، حتى إن بعضَ العلماءِ أَنْكَرَ أن يقولَ القائلُ: استوى على العرشِ بذاتِهِ، لا يحتاجُ أن نقولَ بذاتِهِ، لكن بعضَ السَّلَفِ اضْطُرَّ إلى كلمةِ بذاتِهِ دفعًا للبدعةِ.

كذلك: يَنْزِلُ إلى السماءِ الدنيا بذاتِهِ. لا نحتاجُ لكلمةِ بذاتِهِ؛ لأنَّ اللهَ أَضافَ الفعلَ لنفْسِه يَنْزِلُ إلى السماءِ الدنيا، لا يحتاجُ أن نقولَ: بذاتِهِ، معروفٌ من كلمةِ (يَنْزِلُ) أنه هو الذي يَنْزِلُ، لكن احتاجوا أن يقولوا: بذاتِهِ ردًّا على المبتدعةِ الذين قالوا: يَنْزِلُ اللهُ؛ أي: أَمْرُهُ. فقابلوا أَمْرَهُ في ذاتِهِ، وكلمةُ بذاتِهِ صحيحةٌ والتعبيرُ دلَّ عليها، وكلمةُ أَمْرِهِ باطلةٌ.

وليُنتبه فإن السلفَ رَحِمَهُم اللَّهُ أحيانًا يُعَبِّرُونَ بأشياءَ يُضْطَرُّونَ إلى التعبيرِ بها، لكنها لا تخالفُ الحقَّ، وإن كان الأَوْلى تَرْكُها؛ لأنَّ الصحابةَ تركوها، لكن الصحابةَ هل لم تَظْهَرْ عندهم هذه البدعُ؛ ولهذا يقولُ: استوى على العرشِ، يَنْزِلُ إلى السماءِ، يأتي للفصْلِ بَيْنَ عبادِه، ولا يقولُ: بذاتِهِ؛ لأنَّه لم يكن عندهم من يقولُ: إنه يأتي أَمْرُه، أو يَنْزِلُ أمْرُه، أو ما أَشْبَهَ ذلك.

فكلمةُ "بذاتِهِ" تحقيقٌ للمعنى، ويُضْطَرُّ الإنسانُ إليها دفعًا لقولِ أهْلِ البدعِ، ليس لأنَّ المعنى لا يتمُّ إلا بها، فالمعنى يَتِمُّ بدونِها، كلُّ فعلٍ أضافه اللهُ إلى نفْسِه فالمرادُ نفْسُه، {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ} [الشورى: ٢٩]، فلا تَقُلْ: بذاتِه، هو نفْسُه يَنْزِلُ إلى السماءِ لا يحتاجُ إلى قَوْلٍ بذاتِهِ، ما دام يَنْزِلُ؛ أي: هو، أَيْ نَفْسُ اللهِ، يأتي إلى القضاءِ أي هو، وهلمَّ جرًّا ..

<<  <   >  >>