عليه، لا أظنُّ إنسانًا يؤمنُ باللهِ حقًّا تَثْبُتُ قدمُه على القولِ بأن اللهَ بذاتِه في كلِّ مكانٍ أبدًا.
أما ما لبثوا به وشبَّهوا من قولِهِ:{وَهُوَ مَعَكُمْ} فإننا نقولُ: لا يلزمُ من المعيَّةِ أن يكونَ في نفسِ المكانِ؛ ولهذا العربِ تقولُ في لغتِها: القمرُ معنا ومكانُهُ في السماءِ وهم يقولون: معنا.
العربُ تقولُ: المرأةُ مع زوجِها. يعني في عصمتِه، ولو كان هو في أقصى المشرقِ وهي في أقصى المغرِبِ. والقائدُ يوجِّهُ جُنْدَهُ إلى المعركةِ في الميدانِ وهو يقولُ: اذهبوا واغزوا باسمِ اللهِ وأنا معكم، وهو في مكانِهِ، فالمعيَّةُ مدلولهُا واسعٌ لا تستلزمُ الإختلاطَ لا في المكانِ ولا في الذاتِ. إذنِ الحمدُ للهِ هذا القولُ بأنه بذاتِهِ في كل مكانٍ هذا باطلٌ.
بَقِيَ لنا القولُ الثالثُ الذي يقولُ: لا تَصِفِ اللهَ أنه معك، ولا أنه فوق، ولا تحت، ولا متصلٌ، ولا منفصلٌ، ولا مبايِنٌ، ولا منحرفٌ، لا تصفِ اللهَ بعلوٍّ، ولا نزولٍ، ولا يمينٍ، ولا يسارٍ، ولا متصلٍ، بالخَلْقِ ولا مبايِنٍ. إذن هو عدمٌ؛ ولهذا قال بعضُ أهلِ العلمِ: لو قيل لنا: صِفَوا العدمَ ما وجدنا أدقَّ من هذا الوصفِ. ولمَّا جيءَ بابنِ فورك إلى الأميرِ محمدِ بنِ سبكتكين رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو من الأبطالِ - جيءَ إليه وقال له: صِفْ لنا رَبَّكَ قال: الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ ليس بداخلِ العالَمِ ولا خارجَ العالَمِ، ولا يمينٌ ولا يسارٌ، ولا متصلٌ ولا منفصلٌ، قال له: وصفْتَ ربَّكَ بالعدمِ، ولو أردْتَ أن تصفَهُ بالعدمِ ما وجدْتَ أحسنَ من هذا الوصْفِ، وسكت رَحِمَهُ اللهُ (١)؛ فاللهُ على هذا الزعمِ غيرُ موجودٍ، معدومٌ.