القولُ الثاني في هذه المسألةِ: أن اللهَ تعالى لا يُوصَفُ بالعلوِّ إطلاقًا. اللهُ في كلِّ مكانٍ، ثم شَبَّهوا بقولِهِ تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد: ٤]{أَيْنَ مَا} هذه ظرفُ مكانٍ. أي: في أيِّ مكانٍ كُنْتُمْ فاللهُ معكم. قال: اللهُ معك في كلِّ مكانٍ. إذا كنتَ في المسجِدِ يكونُ اللهُ في المسجِدِ، والمرحاضُ كذلك، والسوقُ كذلك، والطائرةُ أيضًا، فهل هذا يقولُه عاقلٌ؟ ويلزمُ من هذا القولِ:
أولًا: وصفُ اللهِ بما لا يليقُ أن يكونَ اللهُ في المراحيضِ والحمَّاماتِ والأماكنِ القَذِرَةِ والعاليةِ والسافلةِ.
ثانيًا: يلزمُ أحدُ أَمْرَيْنِ إما تَجَزُّؤُ اللهِ، وإما تَعَدُّدُ اللهِ، إن قالوا: بالتعددِ صِحْنَا بهم صيحةً تتقطعُ منها قلوبُهُم، نقولُ لهم: كَفَرْتُمْ وصرْتُم أَعْظَمَ من النصارى الذين قالوا: {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}[المائدة: ٧٣]، وأنتم تقولون: ملايينُ الملايينِ. وإن قالوا: يَتَجَزَّأُ، قلنا: الآن أَبْطَلْتُمْ قولَكم إذا كان يتجزَّأُ وكان مثلًا جزءٌ منه مع فلانٍ وجزءٌ مع فلانٍ، لم يَصِرْ مع فلانٍ وهو يقولُ:{وَهُوَ مَعَكُمْ} ولم يَقُلْ: جزءٌ منه معكم.
فأنتم الآن خُذِلْتُمْ - والحمدُ للهِ - وهذا واللهِ لا أظنُّ قدمَ مؤمنٍ باللهِ تَثْبُتُ