للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضًا نحن نقولُ: العلوُّ باتفاقِ العقلاءِ صفةُ كمالٍ، والسفولُ باتفاقِ العقلاءِ صفةُ نقصٍ، فحينئذ ثَبَتَ للهِ العُلُوُّ الذاتيُّ عقلًا .. فبَقَيْنا بالفطرةِ، والفطرةُ لا تسألُ، اسألْ عجوزًا تدورُ بالرحى تَطْحَنُ الطحينَ: اسألْها: أين اللهُ؟ وهي ما دَرَسَتِ لا العقيدةَ الواسطيَّةَ ولا الطحاويَّةَ ولا غيرَهُ، اسألْها: أين ربُّكِ؟ تقولُ: في السماءِ ولا تتوقفُ لحظةً؛ لأنَّ هذا أمرٌ مفطورٌ عَلَيْهِ الخَلْقُ.

ويقالُ: إن أبا المعالي الجوينيَّ - عفا اللهُ عنا وعنه وهو إمامُ الحرمين - كان يتكلَّمُ على الإستواءِ، ومعروفٌ أن الأشاعرةَ - وهو من أئمةِ الأشاعرةِ - معلومٌ أنهم يُنكرون استواءَ اللهِ على العرشِ، يقولون: استوى على العرش. يعني استولى عليه لا يوجَدُ علوٌّ استولى عليه؛ فقال له أبو جعفرٍ الهَمَذَانِيُّ: يا شيخُ دَعْنا من ذِكْرِ العرشِ - يعني نبحثُ بحثًا آخَرَ - أَخْبِرْنَا عن هذه الفطرةِ ما قال عارفٌ قط: يا اللهُ إلا وَجَدَ من قلبِه ضرورةً لطلبِ العُلُوِّ - كلُّ إنسانٍ يقولُ: يا اللهُ اسألْه: أين يتجهُ قلبُهُ يمينًا أم يسارًا أم فوق؟ الجوابُ: فوق - فجعل يَلْطِمُ على رأسِه حَيَّرَنِي الهَمَذَانيُّ، حَيَّرَنِي الهَمَذَانِيُّ (١).

وأُحَدِّثُكُم أنا عن مجلسٍ جمعني بعوامِّ مجلسٍ عاديٍّ مَقْهًى، تَكَلَّمَ أحدُ الطلبةِ في نفسِ المجلسِ وقال: إن أهلَ التأويلِ - يعني أهلَ التحريفِ - يقولون: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] يقولون: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ثم استولى عليه! ! .

فدَعَا علَيه العامِّيُّ - وهو جَمَّالٌ يَحْمِلُ على الجمالِ يسافرُ من بلدٍ إلى آخَرَ -، دعا عليه بدعوةٍ معروفةٍ عندنا في العامِّيَّةِ يقولون: غَرْبَلَه اللهُ غَرْبَلَهُ اللهُ - يعني:


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٢٢٠).

<<  <   >  >>