أما الإجماعُ: إجماعُ الصحابةِ وأئمَّةِ المسلمين من بَعْدِهِم على علوِّ اللهِ.
فإن قال قائلٌ: أَثْبِتْ لي قولًا واحدًا عن أبي بكرٍ أو عمرَ أو عثمانَ أو عليٍّ على أنهم قالوا: إن اللهَ عالٍ بذاتِهِ؟ ! .
قلنا: إن هؤلاء يقرؤون القرآنَ ويَعْرِفُونَ من السُّنَّةِ ما عَرَفوا، ولم يَرِدْ عنهم حرفٌ واحدٌ يدلُّ على نقيضِ ما جاء في القرآنِ، وكفى بذلك دليلًا. لو كان عندهم معارضةٌ لوَرَدَ عنهم خلافُ ما في القرآنِ، وهم يقرؤون القرآنَ وهم عَرَبٌ يعرفون المعنى ويعرفون المرادَ.
وهذا من أحسنِ ما يكونُ في تقريرِ إجماعِ الصحابةِ، يعني إذا أتاك إنسانٌ وقال لك: يا أخي أَثْبِتْ لي قولًا واحدًا عن الصحابةِ أنهم آمنوا بعلوِّ اللهِ بذاتِهِ، أقولُ: لا يحتاجُ أن أُثْبِتَه، قرؤوا القرآنَ، وعَلِمُوا من السُّنَّةِ ما عَلِموا ولم يَرِدْ عنهم حرفٌ واحدٌ يقولون فيه: إن اللهَ ليس في السماءِ أبدًا ولا إنه بذاتِهِ في كلِّ مكانٍ وهذا إجماعٌ. هكذا كلُّ الصفاتِ لم يَرِدْ عن الصحابةِ ما يناقضُها، فهو دليلٌ على إجماعِه.
فإن قال قائلٌ: العقلُ هل يَدُلُّ على عُلُوِّ اللهِ؟
فالجوابُ: نعم يدلُّ على علوِّ اللهِ؛ لأنك لو سألْتَ أيَّ إنسانٍ هل العلوُّ أَكْمَلُ أو السفولُ؟ لقال لك: العلوُّ أكملُ لا شكَّ، حتى في أمورِ الدنيا يقالُ: هذا اللباسُ أعلى من هذا اللباسِ، كلٌّ يَعْرِفُ أن العلوَّ صفةُ كمالٍ، وإذا كان كذلك فالرَّبُّ موصوفٌ بالكمالِ عقلًا؛ ولهذا قال إبراهيمُ لأبيه محتجًّا عَلَيْهِ بدليلِ العقلِ:{يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم: ٤٢]، هذا ما يُعْبَدُ، هذا استدلالٌ عقليٌّ.