للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإستقامةَ، وأمَّا أن نَجْعَلَ أَكْبَرَ هَمِّنا هو هذا الكلامُ الذي لا يَعُودُ إلى الأمَّةِ إلا بالشَّرِّ فلا! .

ولهذا يَنْهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عن التفرُّقِ في عدَّةِ آياتٍ، كما في هذه الآيةِ: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.

فإذا اختلفْتَ أنت وصاحبُكَ في رأيٍ من الآراءِ، وهو محَلٌّ للإجتهادِ؛ فالواجبُ أن تعتقدَ أنَّ صاحِبَك لم يخالفْك؛ لأنَّه سَلَكَ السبيلَ الذي تسلُكُه أنت، هو اجتهد فقال هذا هو الصوابُ، وأنت اجتهدْتَ فقلْتَ: هذا هو الصوابُ، إذن: مرادُ كلِّ واحدٍ منكما الوصولُ إلى الحقِّ، ولا يُمْكِنُ أن يكونَ اجتهادُكَ حُجَّةٌ عليه، ولا اجتهادُهُ حُجَّةً عليكَ، وحينئذٍ نكُونُ في الواقعِ مُتَّفِقين، حتى لو خالفني فأنا أعتقدُ أنه يوافقني؛ لأننا كلنا نقصدُ الحقَّ، ولا نريدُ مخُالفةَ الحقِّ.

لكن مع الأسَفِ الآنَ بعضُ الناسِ يَتَّخِذُ من هذا الخلافِ، الذي هو محلُّ الإجتهادِ، يَتَّخِذُ منه سُلَّمًا للتفرَّقِ والطَّعْنِ، قبل سنواتٍ في منًى حَضَرَتْ طائفتانِ إفريقيَّتَانِ، كلُّ واحدةٍ تَلْعَنُ الأخرى وتُكَفِّرُها، فأتوا إلى مدير التَّوعِية التي أنا من ضِمْنِ أعضائِها، أتوْا إليه مُتشاكِسِينَ جدًّا جدًّا في منًى، في أيامِ الحَجِّ في شهرٍ حرامٍ في بلدٍ حرامٍ؛ فهو - جزاه اللهُ خيرًا - حَضَرَ إليَّ معهم، وسألته فقال: هؤلاء كفارٌ، هؤلاء رَغِبوا عن سُنَّةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وقد قال النبيُّ - صلى الله عَلَيْهِ وسلم -: "مَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مني" (١) ونحن نَبْرَأُ منهم كلامٌ طويلٌ عريضٌ.

والخلافُ أن إحدى الطائفتين تقولُ: إذا قام يصلي فإنه يضعُ اليدَ اليمنى


(١) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (٥٠٦٣)، ومسلم: كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم (١٤٠١)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>