وإذا كان الهدفُ واحدًا، وهو الوصولُ إلى الحقِّ؛ فإنه لا يَجوزُ أن يُجْعَلَ هذا الإختلافُ سببًا للتفرُّقِ في الإتجاهِ، لا يَجُوزُ هذا إطلاقًا، بل تَجِبُ الوحدةَ والإجتماعَ، حتى مع اختلافِ الآراءِ.
ولهذا كان السادةُ الغُرَرُ الصحابةُ - رضي الله عنهم - يختلفون في أشياءَ كثيرةٍ مُهِمَّةٍ، ومع ذلك فالقلوبُ واحدةٌ، ولمَّا وَصَلَ الإختلافُ بهم إلى تَفَرُّقِ القلوبِ، حَصَلَ ما حَصَلَ من الفِتَنِ بين معاويةَ وعليٍّ، وعائشةَ والزُّبيرِ، وما أَشْبَهَ ذلك، في وقتِنا الحاضرِ لا شكَّ أنَّ الناسَ مختلفون، فمنهم من يتجهُ اتجاهًا سياسيًّا، ومنهم من يتجهُ اتجاهًا صوفيًّا، ومنهم من هو مُعتدلٌ. اختلافاتٌ كثيرةٌ فالواجبُ علينا أن نَنْزِعَ فتيلَ هذا الإختلافِ، وأن نَكُونَ أمَّةً واحدةً؛ حتى لا نتفرَّقَ فنفشَلَ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} يعني: ولا يَكُنْ لكمْ قيمةٌ. {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفالِ: ٤٦].
ولهذا نَجِدُ الآنَ - مع الأسفِ الشديدِ - أن ما يُسَمَّى بـ (الصحوةِ الإسلاميَّةِ) أُصيبَت بهذا البلاءِ، وصار نَفْسُ المُتَدَيِّنِينَ يَلْمِزُ بعضُهُم بعضًا، ويُضَلِّلُ بعضُهُم بعضًا، ويُبَدِّعُ بعضُهُم بعضًا، وربما يُكَفِّرُ بعضُهُم بعضًا، فضاعت تلك الصحوةُ، وصار الذين يُرادُ منهم أن يكونوا حزبًا على أعداءِ اللهِ، وحربًا على أعداءِ اللهِ، صاروا حربًا على أنْفُسِهم، وأحزابًا بأنفُسِهم، وهذا ما يَبْذُلُ فيه العدوُّ أغلى ما يكونُ ليَحْصُلَ، وقد حَصَلَ له مجَّانًا؛ فالواجبُ علينا أن نُزيلَ هذه الإختلافاتِ، وأن نَدَعَهَا، وأن نَتْرُكَ ما يُعَمِّرُ به كثيرٌ من الناسِ مجالسَهُم في سبِّ فلانٍ وفلانٍ، أو ذمِّ فلانٍ وفلانٍ، أو الغلوِّ في فلانٍ وفلانٍ؛ لأنَّ هذا يُضَيِّعُ الأوقاتَ، ويولِّدُ الأحقادَ، ولا يُفيدُ شيئًا، بل يَضُرُّ، ما لنا ولفلانٍ، إن كان ميتًا فقد واجه الحسابَ، وإن كان حيًّا فنرجو له