غَلَوْا في آلِ البيتِ، وتجاوَزُوا الحدَّ، والمُؤَلِّهَةُ للرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الذين يعتقدون أنه أشدُّ من الإلهِ عَزَّ وَجَلَّ غَلَوْا في الرسولِ، وهَلَكوا. والغاليةُ في الدِّينِ الذين يُريدونَ من الناسِ أن يستقيموا على الدِّينِ، وألا يَفْعَلوا كبيرةً أيضًا غَلَوْا؛ كالخوارجِ.
المُهمُّ أنكَ إذا تأمَّلْتَ البدعَ وجدْتَ أنَّ الغُلُوَّ فيها أشدُّ خطرًا على الإنسانِ؛ لأنَّ الغاليَ يعتقدُ أن ما عَلَيْهِ دِينٌ، والمقصِّرُ يَعْرِفُ أنه مقصِّرٌ، وربما استقام بعد ذلك.
قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} الدِّينُ يُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ، المعنى الأوَّلُ: الجزاءُ. والمعنى الثاني: العملُ. يعني: يُطْلَقُ على العملِ وعلى الجزاءِ، فمن إطلاقِهِ على العملِ؛ قولُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون: ٦]، يعني: لكم عَمَلُكم ولي عملي؛ كقولِهِ تعالى:{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}[يونُسَ: ٤١]، ومن إطلاقِهِ على الجزاءِ قولُهُ تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الإنفطارِ: ١٧ - ١٨]، وما نقرأه نحن في كلِّ صلاةٍ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} المرادُ به الجزاءُ.
وقولُهُ:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} هنا المرادُ به العملُ {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} يعني: لا تَتَفَرَّقوا في دينِكم؛ فتكونوا أحزابًا، فنهى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عن التفرُّقِ في الدِّينِ، وهذا يَسْتَلْزِمُ وجوبَ الإجتماعِ عليه؛ لأنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ أمرٌ بضدِّه إذا لم يَكُنْ له إلا هذا الضِّدُّ، وحينئذٍ يَجِبُ على المسلمين أن يجتمعوا في دِينِ اللهِ، وألا يتفرَّقُوا فيه.
وما اختلف العلماءُ فيه من الآراءِ، فإنَّ الهدفَ منه واحدٌ، لمن صَلَحَتْ نِيَّتُه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من المُختلفين إنما يُريدُ الوصولَ إلى الحَقِّ، لكن اختلفوا في الطريقِ،