يجب علينا أن نرفق بأنفسنا وبالناس، وأن لا نكفر أحدًا حتى يتبين لنا أن هذا الشيء كفر، وأن هذا الذي قاله أو فعله ينطبق عليه شروط التكفير حتى لا نبؤ نحن بالكفر أو الفسق، والحمد لله الحكم إلى الله، فإذا كان الله لم يكفر هذا الشخص فلماذا نكفره؟ وإذا كفرنا من لم يكفره الله، فكأنما حرمنا ما أباحه الله، أو أبحنا ما حرمه الله، فعلينا أن نتق الله، والأصل في المسلم الإسلام، فما دام يدين بالإسلام، لكن يفعل خصلة من الكفر، أو يقول قولًا هو كفر وهو جاهل، لم ينشأ في بلد استتب فيه الإسلام، فكيف نقول إن هذا كافر؟ رجل بدوي ناشئ في أرض بعيدة عن العلوم الشرعية، لكن مسكين، كل صباح ينصب حجرًا ويسجد له وهو لا يدري فهل نقول هذا كافر؟ وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولهذا نص العلماء -رحمهم الله- على أنه لو أن رجلًا جحد وجوب الصلاة، لكان كافرًا، لكن قالوا لو جحد وجوب الصلاة وهو ناشئ في بلد بعيد عن العلم الشرعي أو كان حديث عهد بالإسلام لم يكن كافرًا، لأنه جاهل.
إذًا قوله: {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)} يدل على أنه لا يمكن أن يعذب أحد إلا بعد إبلاغه. وهل يكفي بلوغ الحجة أو لابد من فهم الحجة.
لابد مغِ فهم الحجة. ولهذا قال الله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩)} [الشعراء: ١٩٨، ١٩٩] لأنهم لا يفهمونه، وإذا لم يؤمنوا به لعدم فهمهم فهم معذورون.