فأجاب المؤلف بما يقتضي: نعم. لأن أفعال الأنبياء بأمر الله لاسيما مثل هذا الفعل العظيم. هذا الفعل العظيم هو من أكبر الكبائر، لأنه قتل نفس بغير حق، وليست نفسًا بعيدة، بل قتل نفس قريبة، فهو جامع بين قتل النفس وبين قطيعة الرحم، لأن من قتل أجنبيًّا ليس كمن قتل قريبًا، لكن هذا القتل، هذا الذنب العظيم إذا كان بأمر الرب الذي له ملكوت السموات والأرض صار طاعة كما أن السجود لغير الله شرك، ولما كان بأمر الله تعالى كان تركه كفرًا، {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤].
والمهم أن المؤلف أجاب عن هذه الرؤيا بأنها فعل من نبي، وأفعال الأنبياء تقع بأمرِ الله -عزَّ وجلَّ- لأنهم معصومون.
قال:{فَانظر مَاذَا تَرَى} من الرأي، يعني فكر في أمرك وانظر ماذا ترى؟ فكان جوابه جوابًا عجيبًا عظيمًا، {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَل مَا تُؤمَرُ} وهذا شبيه بما وقع من عائشة -رضي الله عنها- حين خيّرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن تبقى معه وأن تفارقه للدنيا، وقال لها:"استأمري أبويك"، يعني استشيريهم فقالت -رضي الله عنها-: أفي هذا أستأمر أبوي، إني أختار الله ورسوله والدار الآخرة (١).
{فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} وهذا من باب الاختبار في حال هذا
(١) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} ... (٤٧٨٥)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقًا إِلَّا بالنية (٢٢) (١٤٧٥).