كالإنجيل، يَعُدَّ الحياة الدنيا طريق ابتلاء وامتحان للوصول إلى الآخرة، وأوجب هذا مَيْلَ ذوي الوَرَع والقلق إلى التحرر من مفاسد الدنيا، ودخول ملكوت السماوات بالزهد.
وأذكر، من بين الطرق الدينية التي تَسْتَوقف النظر، طريقة الدراويش الدَّوَّارين (المَوْلَوِيَّة) وطريقة الدراويش الصَّخَّابين، ونُعِتَ هؤلاء بهذا الاسم؛ لِمَا يأتون من الأعمال والحركات التي يَصِلون بها إلى درجة الوَجد والانجذاب كما كان يصنع رهبان أديارنا كثيراً.
وفي الآستانة شاهدتُ الدراويش الدَّوَّارين في أثناء أذكارهم فرأيت حالهم، بعد أن يَدُوروا كثيراً على أنفسهم، قريبةً من حال السائرين في النوم، ويقوم الدراويش الدَّوَّارون، قبل دوَرانهم على أنغام الناي والطبل والرَّباب، ببعض التراتيل التي تشابه تراتيل كنائسنا، وإن كانت أعذب وأشجى مع عدم طنينها.
شكل ٥ - ٦: نافذتا مسجد في القاهرة (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).
وجَرَّبْتُ تأثير تلك الموسيقا في المؤمنين بنفسي، وسَبَحْتُ في بحر من الرُّؤَى حين سَمِعتها، قال تِيُوفيل غُوتيه موضحاً هذا التأثير في الأسطر الآتية:
كان ذلك اللحن العجيب يُثير في قلبي ما لا يُعرَف من الحنين إلى الأوطان، وكان يُثير فيه ما لا يُوصف من الولَه والجذَل، وكان يثير فيه ميلًا إلى