وَتَتْبَعُهُ الصَّنْعَةُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي الْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي طَاحُونَةٍ فَطُحِنَتْ. وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَصَارَ كَمَا إذَا انْعَدَمَ الْفِعْلُ أَصْلًا وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَسَلَخَهَا وَأَرَّبَهَا.
وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ وَحَقُّهُ فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْظُورٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثُ الصَّنْعَةِ،
وَلِلشَّافِعِيِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ الْوَاوَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ هَاهُنَا فِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَصْلًا، وَلَوْ سُلِّمَ وُجُودُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلِابْتِدَاءِ، إذْ لَوْ كَانَتْ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لَزِمَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُهُ، وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَخْ.
وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ رَكَاكَةُ ذَلِكَ جِدًّا وَكَوْنُهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ شَأْنِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ جَوَازِ ضَمَانِهِ النُّقْصَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا خَلَفٌ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ أَنَّ لَهُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ كَذَا، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ وَلِلشَّافِعِيِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، إلَّا أَنَّ لَهُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ جَوَازِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، كَيْفَ وَلَوْ لَزِمَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْمَحْذُورِ هَاهُنَا لَلَزِمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعِ الْخِلَافِ يُقَالُ فِيهِ عِنْدَ إقَامَةِ أَدِلَّةِ الْمَذَاهِبِ لَهُ كَذَا وَلَهُ كَذَا وَلَنَا كَذَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَذْكُورَ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، مَعَ أَنَّ مُدَّعَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُخَالِفُ الْآخَرَ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ قَطْعًا عَلَى قَوْلِهِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيلٍ لِمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ بِلَا رَيْبٍ. فَالْوَجْهُ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ كُلِّهَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَهُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ كَذَا وَلَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute