أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ حَدِيدًا فَاِتَّخَذَهُ سَيْفًا أَوْ صُفْرًا فَعَمِلَهُ آنِيَةٌ) وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الدَّقِيقِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضَمِّنُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ. لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ
أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا، فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ. وَقَوْلُهُ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ مِلْكُ مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا. يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَشَاةٌ حَيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ وَعِظَمُ مَنَافِعِهَا يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا، فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَكِشْكًا وَنَشَاءً وَبَدْرًا وَغَيْرَهَا تَزُولُ بِالطَّحْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهَا يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنَّهَا إذَا طُحِنَتْ صَارَتْ تُسَمَّى دَقِيقًا لَا حِنْطَةً. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كَوْنَ قَيْدِ وَعِظَمِ مَنَافِعِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ مَعَ وُقُوعِهِ فِي عِبَارَاتٍ عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ عَلَى الِاطِّرَادِ بَعِيدٌ جِدًّا لَا تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَرَّبَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِالذَّبْحِ وَالتَّأْرِيبِ مِلْكُ مَالِكِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ زَالَ اسْمُهَا بَعْدَ التَّأْرِيبِ وَلَكِنْ لَمْ يَزُلْ عِظَمُ مَنَافِعِهَا وَهُوَ اللَّحْمِيَّةُ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى الْعِنَايَةِ نَفْسِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا تَدَبَّرْ (قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الدَّقِيقِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ.
أَقُولُ: ظُهُورُهُ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي: وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا، وَكَذَا قِيمَةُ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا، فَإِذَا ازْدَادَ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نُقْصَانُ الْوَصْفِ كَمَا إذَا عَفِنَتْ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الدَّقِيقَ عَيْنُ الْحِنْطَةِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ كَمَا قَبْلَ الطَّحْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ جِنْسِ الْحِنْطَةِ فِيهِ جَرَيَانُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ. وَقَالَ: فَلَمَّا ثَبَتَتْ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا كَانَ أَخْذُ الدَّقِيقِ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ الْحِنْطَةِ، وَلَوْ أَخَذَ عَيْنَ الْحِنْطَةِ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهَا شَيْئًا آخَرَ لِنُقْصَانِ صِفَتِهَا بِسَبَبِ الْعُفُونَةِ لِأَدَائِهِ إلَى الرِّبَا عَلَى مَا مَرَّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَيْضًا بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ نُقْصَانُهَا بِسَبَبِ فَوَاتِ الْوَصْفِ لَا نُقْصَانَهَا بِمُجَرَّدِ الطَّحْنِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ الْوَصْفِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ فِي مِثْلِهِ إضَافَةُ النُّقْصَانِ إلَى الْوَصْفِ لَا إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute