فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ
وَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يَكُونَ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ بِهَا لِأَنَّهُ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَقُولُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ خَلَلٌ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةَ الثَّابِتَةَ بِنَفْسِ الْمُجَانَسَةِ لَمَا تَمَّ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ إجَارَاتِ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ، إذْ يَصِيرُ مَدَارُ مَسْأَلَةِ إجَارَاتِ الْأَصْلِ حِينَئِذٍ عَلَى اتِّحَادِ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ فِي الْجِنْسِ وَمَدَارُ مَسْأَلَتِنَا عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِنْسِ قَطْعًا، فَتَتَنَاقَضَانِ، وَالْمُصَنِّفُ قَصَدَ التَّوْفِيقَ بِذَلِكَ فَنَشَأَ مِنْهُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَقُولُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ وَقَعَ كَانَ الْمُرَادُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى؛ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ بِهَا: يَعْنِي أَنَّهُمَا مُتَّحِدَا الْجِنْسِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى فَتُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا عَلَيْهِ وَمُخْتَلِفَاهُ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَفَادٍ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَصْلًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هَاهُنَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَهُمَا فِي الْجِنْسِ غَيْرُ مُقَرَّرٍ، بَلْ هُنَاكَ شَبَّهَا الِاتِّحَادَ وَالِاخْتِلَافَ فِي الْجِنْسِ مِنْ جِهَتَيْنِ فَكَانَ فِي الْجِنْسِيَّةِ شُبْهَةٌ فَيَئُولَ بِنَاءُ حُرْمَةِ الرِّبَا عَلَى ذَلِكَ إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ كَمَا عَرَفْت فِيمَا مَرَّ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى وَاخْتِلَافِهِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ مُتَحَقِّقٌ فِي الدُّورِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَيْضًا، فَبِنَاءً عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ هُنَاكَ فَقَالَا: إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا الْقَاضِي كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا ذُكِرَ لَمَا وَافَقَ الْإِمَامَانِ أَبَا حَنِيفَةَ هَاهُنَا فِي وُجُوبِ قِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاتِّفَاقُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُتَفَهِّمًا مِنْ عَدَمِ بَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا فِي الْكِتَابِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَمَّا دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ فَلَا يُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ انْتَهَى
(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ، لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ صِفَةٌ فَتَتْبَعْ جَوَازَ أَصْلِ الْقِسْمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute