كبشًا، حتى ذكر الدجاجة، والبيضة، فإذا جَلَس الإمام طُويت الصحف، واستمعوا الخطبة"، قال: ألا ترى إلى ما في هذا الحديث، فإنه قال: يكتبون الناس الأول فالأول، فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنةً، ثم الذي يليه، فجعل الأول مهجّرًا، وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير، وذلك وقت النهوض إلى الجمعة، وليس ذلك وقت طلوع الشمس؛ لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا تهجير، وفي الحديث: ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ولم يذكر الساعة، قال: والطرُق بهذا اللفظ كثيرة مذكورة في "التمهيد"، وفي بعضها: "المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنةً"، وفي أكثرها: "المهجر كالمهدي جَزورًا"، الحديث، وفي بعضها ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في أول الساعة كالمهدي بدنةً، وفي آخرها كذلك، وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرةً، وفي آخرها كذلك.
وقال بعض أصحاب الشافعيّ: لم يرد -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "المهجِّر إلى الجمعة كالمهدي بدنةً" الناهض إليها في الهجير والهاجرة، وإنما أراد التارك لأشغاله وأعماله، من أغراض أهل الدنيا؛ للنهوض إلى الجمعة، كالمهدي بدنةً، وذلك مأخوذ من الهجرة، وهو ترك الوطن، والنهوض إلى غيره، ومنه سمي المهاجرون.
وقال الشافعيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أحب التبكير إلى الجمعة، ولا تؤتى إلا مشيًا، هذا كله كلام أبي عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال العلامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مدار إنكار التبكير أول النهار على ثلاثة أمور، أحدها: على لفظة الرواح، وأنها لا تكون إلا بعد الزوال، والثاني: لفظة التهجير، وهي إنما تكون بالهاجرة وقت شدة الحر، والثالث: عمل أهل المدينة، فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار.
فأما لفظة الرواح فلا ريب أنها تُطلَق على المضيّ بعد الزوال، وهذا إنما يكون في الأكثر إذا قُرِنت بالغدوّ، كقوله تعالى:{غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}[سبأ: ١٢]، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من غدا إلى المسجد وراح، أَعَدَّ اللَّه له نُزُلًا في الجنة، كلما غدا أو راح"، وقول الشاعر: