الأحاديث التي فيها النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس؛ لطلوعها بين قرني الشيطان: قال:
فَكَرِه لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نصلي في الوقت الذي يَسْجُد فيه عَبَدَة الشمس للشمس، وأعلمنا أن الشياطين حينئذ، أو أن إبليس في ذلك الوقت في جهة مطلع الشمس، فهم يسجدون له بسجودهم للشمس، ويَؤُمُّونه، ولم يُرِدْ بالقرن ما تَصَوَّروا في أنفسهم من قرون البقر، وقرون الشاء، وإنما القرن ههنا حرف الرأس، وللرأس قرنان؛ أي: حرفان وجانبان، ولا أرى القرن الذي يطلع في ذلك الموضع سُمِّي قرنًا إلَّا باسم موضعه، كما تسمي العرب الشيءَ باسم ما كان له موضعًا أو سببًا، فيقولون رَفَعَ عَقِيرته، يريدون صوته؛ لأن رجلًا قُطِعت رجله فرفعها، واستغاث من أجلها، فقيل لمن رفع صوته: رفع عقيرته، ومثلُ هذا كثير في كلام العرب، وكذلك قوله في المشرق:"من ههنا يطلع قرن الشيطان"، لا يريد به ما يَسْبِق إلى وهم السامع من قرون البقر، وإنما يريد: من ههنا يطلع رأس الشيطان.
وكان وهب بن منبّه يقول في ذي القرنين: إنه رجل من أهل الإسكندرية، واسمه الإسكندروس، وأنه كان حَلَمَ حُلْمًا رأى فيه أنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها، فقَصَّ رؤياه على قومه، فسَمَّوه ذي القرنين، وأراد بأخذه بقرنيها أنه أخذ بجانبيها.
والقرون أيضًا خُصَل الشعر، كل خُصْلة قَرْن، ولذلك قيل للروم: ذات القرون، يراد أنهم يطوّلون الشعور، فأراد -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعلمنا أن الشيطان في وقت طلوع الشمس، وعند سجود عَبَدَتها لها مائل مع الشمس، فالشمس تجري من قبل رأسه، فأَمَرَنا أن لا نصلي في هذا الوقت الذي يكفر فيه هؤلاء، ويصلّون للشمس وللشيطان، وهذا أمر مُغَيَّبٌ عنا، لا نعلم منه إلَّا ما عُلِّمنا، والذي أخبرتك به شيء يحتمله التأويل، ويباعده عن الشناعة، واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن قتيبة -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق أن أرجح التأويل في