للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وسُمِّي شيطانًا؛ لتَمَرُّده وعُتُوِّه، وكلُّ ماردٍ عاتٍ شيطانٌ.

والأظهر أنه مُشتقّ من شَطَنَ: إذا بَعُدَ؛ لبعده من الخير والرحمة، وقيل: مشتق من شاط: إذا هلك واحترق. انتهى كلام النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في تأويله على وجوه: فقال قائل: معناه مقارنة الشيطان الشمس عند دنوّها للغروب على معنى ما رُوي: "إن الشيطان يقارنها إذا طلعت، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها"، فحُرِّمت الصلاة في هذه الأوقات لذلك، وقيل: معنى قرن الشيطان قوّته من قولك: أنا مُقْرِن لهذا الأمر؛ أي: مطيق له، قويّ عليه، قال اللَّه تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: ١٣]: أي: مطيقين، وذلك أن الشيطان إنما يَقْوَى أمره في هذه الأوقات؛ لأنه يُسَوّل لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات الثلاثة.

وقيل: قرنه حزبه، وأصحابه الذين يعبدون الشمس، يقال: هؤلاء قرنٌ؛ أي: نَشْءٌ جاؤوا بعد قرن مضى.

وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه، وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم، وتسويفه، وتزيينه ذلك في قلوبهم، وذوات القرون إنما تُعالج الأشياء، وتدفعها بقرونها، فكأنهم لما دَفَعُوا الصلاة وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرَّت الشمس، صار ذلك منهم بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون وتدافعه، بأرواقها، واللَّه أعلم.

وفيه خامس قاله بعض أهل العلم، وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها، وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه، وهما جانبا رأسه، فينقلب سجود الكفار عبادةً له. انتهى كلام الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

وهذا الوجه الخامس هو الراجح، كما سبق ترجيح النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- له؛ لكونه أوفق لظاهر النصّ، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

وقال ابن قُتيبة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تأويل مختلف الحديث" في الردّ على من أنكر


(١) "شرح النوويّ على صحيح مسلم" ٦/ ١١٢.
(٢) من نسخة "عون المعبود" ٢/ ٦٠.