للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تعالى: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣)} [عبس: ٢٣]، والثانية للعوامّ، أو الأولى في الدنيا، والأخرى في الأخرى (١).

(وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ) أي المسألة الثالثة، وهي الشفاعة الكبرى (لِيَوْمٍ) أي لأجل يوم، أو إلى يوم (يَرْغَبُ) بفتح أوله، وثالثه، من باب تَعِبَ، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رَغِبْتُ في الشيء، ورَغِبْته يتعدّى بنفسه أيضًا: إذا أردته، رَغْبًا، بفتح الغين، وسكونها، ورُغْبَى، بفتح الراء وضمّها، ورَغْبَاءً بالفتح والمدّ، ورَغِبْتُ عنه: إذا لم تُرده. انتهى (٢).

وقال المجد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رَغِبَ، كسَمِعَ رَغْبًا، ويُضمّ، ورَغْبَةً: أراده، كارتغب، وعنه: لم يُرِده، وإليه رَغَبًا مُحَرَّكةً، ورَغْبَى -بالفتح- ويُضمّ، ورَغْبَاءَ، كصحرءَ، ورَغَبُوتًا، ورَغَبُوتَى، ورَغَبَانًا، محرّكات، ورُغْبةً بالضمّ، ويُحرّك: ابْتَهَلَ، وهو الضَّرَاعةُ، والمسألة. انتهى (٣).

فمعنى قوله: (يَرْغَبُ إلَيَّ) بتشديد الياء (الْخَلْقُ كُلُّهُمْ) أي يحتاجون إلى شفاعتي (حَتَّى إِبْرَاهِيمُ -صلى اللَّه عليه وسلم-") بالرفع عطفًا على "الخلق"، وهو غاية للعموم المستفاد من"كلّهم"، وفيه دليلٌ على رفعة إبراهيم عليه السلام على سائر الأنبياء عليهم السلام وتفضيل نبيّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم أجمعين.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسائل الثلاث مقصورة على واحدة، لكن جعل تعدادها بحسب الزمان، مرّتين في الدنيا، ومرّة في الآخرة، يوم يقول الأنبياء كلّهم: "نفسي نفسي وهو يقول: "أمتي أمتي".

فقوله: "يرغب إليّ الخلق" صفة لـ "يوم أي أخرّت قولي: "اللهم اغفر لأمتي"؛ لأجل يومٍ هذا صفته، وينصر هذا التأويل ما رواه أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لكلّ نبيّ دَعْوةٌ مستجابةٌ، فتعجّل كلُّ نبيّ دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة -إن شاء اللَّه- من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئًا"، متّفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.


(١) راجع: "المرعاة" ٧/ ٣١٠ - ٣١١.
(٢) "المصباح" ١/ ٢٣١.
(٣) "القاموس المحيط" ١/ ٧٤.